الانفلات الأمني في مالي: مسار تصاعدي منذ الانقلاب العسكري 2020-2021
تشهد مالي منذ انقلاب عام 2020، الذي أطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة الانفلات الأمني. تفاقمت الأوضاع أكثر مع الانقلاب الثاني في عام 2021، الذي رسّخ سيطرة المجلس العسكري على السلطة. وقد ترك هذا التحول فراغًا أمنيًا واسعًا، استغلته الجماعات المسلحة والمليشيات المتناحرة لتوسيع نفوذها، مما جعل مالي واحدة من أكثر الدول غير المستقرة في منطقة الساحل.
تصاعد الهجمات المسلحة
منذ وصول الانقلابيين إلى السلطة، باتت الهجمات شبه يومية، مستهدفة قوات الدفاع والأمن، والمدنيين، والبنية التحتية الحيوية. على سبيل المثال، حادثة اليوم التي نفذتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين باستهداف آلية تابعة لمرتزقة مجموعة فاغنر بين منطقتي باندجاغارا وسيفاري، تسلط الضوء على تعقيد المشهد الأمني.
لم تقتصر الهجمات على الجماعات الإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بل شملت أيضًا عمليات انتقامية من قبل الجيش المالي وأعوانه، بما في ذلك مرتزقة فاغنر الروسية، الذين يتهمون بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذا الوضع خلق دائرة من العنف المتبادل، يدفع ثمنها المدنيون.
دور مرتزقة فاغنر
منذ استقدام السلطات العسكرية في مالي لمجموعة فاغنر الروسية لتعويض انسحاب القوات الفرنسية، تصاعدت الانتقادات حول دور هذه المجموعة. تُتهم فاغنر بالمشاركة في عمليات عسكرية عشوائية تستهدف المدنيين بدعوى محاربة الإرهاب، فضلاً عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل الإعدامات الميدانية والتعذيب. كما يُعتقد أن وجود فاغنر ساهم في تعقيد الصراع، إذ أصبحت الجماعات الإرهابية تستهدفها كجزء من حربها ضد الحكومة.
صراع المليشيات والجماعات المحلية
إلى جانب الجماعات الإرهابية، ظهرت مليشيات محلية مثل دان ماساجو، التي تشارك في النزاع المسلح بدوافع عرقية أو طائفية. هذه المليشيات تزيد من هشاشة الوضع الأمني، إذ تنفذ هجمات ضد المدنيين والجماعات الأخرى، مما يعزز الانقسام الداخلي.
تداعيات الأزمة الأمنية
أدى تصاعد العنف إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في مالي، حيث نزح آلاف المدنيين من منازلهم، وارتفعت معدلات الفقر والجوع. كما أن الانفلات الأمني يقوّض جهود التنمية ويزيد من صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة.
على الصعيد السياسي، يعاني المجلس العسكري من ضعف في الشرعية، حيث تتصاعد الانتقادات الدولية والمحلية لفشله في تحقيق الاستقرار. ويبدو أن تحالفاته مع قوى مثل روسيا عبر مجموعة فاغنر قد عززت من عزلته الدولية، خاصة مع انسحاب العديد من الشركاء الغربيين.
الحلول الممكنة
إعادة بناء الثقة: ينبغي للسلطات المالية أن تعيد بناء الثقة مع السكان المحليين من خلال احترام حقوق الإنسان والعمل على وقف الانتهاكات.
إنفصال أزواد: سيبقى انعدام الأمن متواصلا في مالي و منطقة الساحل مادام لم يتم استقلال أزواد
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: تحتاج مالي إلى دعم إقليمي ودولي شامل، ليس فقط من الناحية العسكرية ولكن أيضًا عبر المساعدات الإنسانية والتنموية.
في الختام، لا يمكن إنهاء دوامة العنف في مالي دون معالجة جذور الأزمة الأمنية، المتمثلة في غياب الحوكمة الرشيدة والتهميش الاقتصادي والاجتماعي، مع الالتزام بمسار سياسي شامل يعيد للبلاد استقرارها المفقود.