انهيار الجيش النيجري: مقتل أكثر من 1000 جندي في ظل الفوضى الأمنية بعد تولي الجنرال تياني السلطة
منذ استيلاء الجنرال عبد الرحمن تياني على السلطة في 26 يوليو 2023، يعاني النيجر من أزمة عميقة في نظامه الدفاعي والأمني. كانت قوات الدفاع والأمن النيجرية، التي كانت تعتبر نسبياً فعالة في مكافحة الإرهاب، قد أصيبت بفوضى غير مسبوقة. تعود هذه الفوضى إلى مجموعة من القرارات السياسية والاستراتيجية غير المدروسة، مما أثر بشكل كبير على كفاءة العمليات العسكرية واستقرار البلاد أمام التهديد المتزايد من الجماعات المسلحة الإرهابية.
أسباب الفوضى في قوات الدفاع والأمن
أحد الأسباب الرئيسية لهذا التصدع هو إعادة تعيين عدد كبير من الضباط الكبار من قوات الدفاع والأمن إلى مناصب مدنية في الإدارة العامة. هذا القرار حرم القوات المسلحة من قياداتها المتمرسة في الميدان، مما أثر سلباً على قدرتها في تنفيذ عمليات فعالة ضد الجماعات الإرهابية. تحويل الضباط من ساحات القتال إلى المهام الإدارية خلق فراغاً خطيراً في جبهات القتال، حيث تدور أشرس المعارك.
كما أن الإيقاف الفجائي للتعاون العسكري مع الشركاء الغربيين فاقم من هذه الوضعية. فقد أدى انسحاب الدعم اللوجستي والتدريبي والعسكري والاستخباراتي والجوي إلى خلق حالة من الضعف غير المسبوقة. كان الشراكة مع دول مثل فرنسا والولايات المتحدة تمثل حجر الزاوية في أمن النيجر، وإيقافها خلف فجوة أمنية هائلة تواجه القوات المحلية صعوبة في سدها.
الآثار على الأرض
تداعيات هذه الفوضى كانت مدمرة. حيث انخفضت معنويات القوات إلى أدنى مستوياتها. الجنود، الذين يواجهون قيادة عسكرية يعتقدون أنها غير كفؤة ودون استراتيجية واضحة، بدأوا في رفض القتال. فقدان الثقة بين الجنود والقيادة وصل إلى نقطة حرجة، خاصةً بسبب عدم الاعتراف بالجنود الذين يسقطون في ساحات المعركة، حيث يتم دفنهم غالباً في طي النسيان.
سمحت هذه الفوضى أيضاً للجماعات المسلحة الإرهابية بالتمدد بسرعة في الأراضي النيجيرية. فقد استغلت هذه الجماعات انهيار الدفاعات المحلية لتعزيز سيطرتها على مناطق واسعة، مما أجبر السكان على الخضوع لسلطتهم في غياب حماية الدولة. المناطق التي كانت تحت سيطرة عسكرية سابقة تُركت تحت رحمة هذه الجماعات، التي تنهب وتفرض الضرائب وتتصرف بحرية تامة.
جانب آخر مقلق هو استخدام الحرس الوطني والدرك والشرطة – الذين يفتقرون إلى التجهيزات اللازمة لمواجهة الجماعات الإرهابية – في الخطوط الأمامية للعمليات العسكرية. بينما الجيش النظامي، الذي يملك قدرات عسكرية فائقة، يغيب بشكل غريب عن مناطق القتال. هذا الخيار الاستراتيجي أثار حالة من الغموض داخل القوات الدفاعية الداخلية وأدى إلى شعور بالخذلان بين الوحدات التي تواجه العدو مباشرة.
انتقادات للقيادة العسكرية
تواجه القيادة الحالية لقوات الدفاع والأمن انتقادات واسعة بسبب افتقارها للكفاءة. القيادة، التي ينحدر معظمها من نظام يقوم على المحسوبية والتي كانت دائماً تلقي باللوم على الآخرين لتبرير فشلها، تبدو أكثر اهتماماً بالحفاظ على سلطتها السياسية من الإدارة الفعالة للعمليات العسكرية. في السابق، كان يتم إلقاء اللوم على الأنظمة الديمقراطية، واليوم يتم توجيه الاتهامات إلى المنفيين وبنين ونيجيريا وفرنسا والولايات المتحدة. الوعود التي أطلقها تياني في خطابه الأول، والتي نصت على أن العسكريين، بعد توليهم السلطة، سيكونون قادرين على محاربة الإرهاب بشكل أفضل، ثبت أنها وعود فارغة.
خلال عام واحد فقط، فقد أكثر من 1000 جندي من قوات الدفاع والأمن حياتهم في معاركهم ضد الجماعات الإرهابية، مقارنة بـ 59 جندياً فقط خلال فترة حكم محمد بازوم. هذه الأرقام تعكس بوضوح حجم الفشل الذي ارتكبته القيادة العسكرية في إدارة الوضع الأمني. النيجر، التي كانت تعدّ مرجعية في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، أصبحت الآن تُعتبر معقلاً للإرهاب تحت الهيمنة المتزايدة لتنظيمي “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”.
خاتمة
إن الفوضى التي تعصف بقوات الدفاع والأمن في النيجر منذ وصول الجنرال تياني إلى السلطة تمثل تهديداً مباشراً ليس فقط لاستقرار البلاد، بل وللمنطقة بأسرها. في ظل غياب استراتيجية واضحة، وقيادة كفؤة، وسلسلة قيادة فعالة، وتعاون عسكري دولي، يواجه النيجر اليوم تصاعداً غير مسبوق في نفوذ الجماعات الإرهابية على أراضيه. انهيار المعنويات والقدرات العملياتية لقوات الدفاع والأمن، وتخلي الدولة عن سكانها، والعجز عن وقف تمدد الجماعات الإرهابية يطرح تساؤلاً وجودياً: إذا استمرت هذه الأوضاع، هل يمكن للنيجر، الذي كان يوماً ما ركيزة في مكافحة الإرهاب، أن يستمر في الوجود بصورته الحالية، أم أنه يسير نحو انهيار الدولة بشكل لا رجعة فيه؟