عدد المشاهدات:
191
مالي: تصعيد جديد للعنف – سيطرة في كوتيالا، تفجير في نيافونكي، وإحراق شاحنات في سيكاسو
تعيش مالي هذا الاثنين 6 أكتوبر 2025 على وقع يوم دموي جديد ضمن سلسلة الهجمات التي تنفذها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تواصل تمددها الميداني من الشمال إلى الجنوب.
ففي كوتيالا، المدينة الصناعية الكبرى في إقليم سيكاسو جنوب البلاد، أعلنت الجماعة سيطرتها على موقع عسكري تابع للقوات المالية بعد هجوم مباغت فجر اليوم، استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. هذا التطور يمثل اختراقًا ميدانيًا خطيرًا في منطقة كانت حتى وقت قريب بمنأى عن المعارك المباشرة.
وفي نيافونكي، على محور تمبكتو – نيافونكي يإقليم أزواد، نفذ مقاتلو الجماعة كمينًا استهدف دورية مشتركة للجيش المالي والفيلق الإفريقي (Africa Corps) بعبوة ناسفة، ما أدى إلى تدمير آلية عسكرية وسقوط عدد من القتلى والجرحى، بحسب مصادر محلية متقاطعة.
أما في كولوندييبا، الواقعة كذلك في إقليم سيكاسو، فقد قامت الجماعة — التي تفرض حصارًا على المنطقة منذ نحو شهر — بـإحراق عدد من شاحنات الوقود وهاجمت القافلة العسكرية التي كانت ترافقها، مما تسبب في انفجارات عنيفة وأضرار كبيرة. هذه العملية تؤكد استمرار سياسة الخنق الاقتصادي التي تعتمدها الجماعة ضد الدولة والمناطق التي ما زالت تحت سيطرة الحكومة.
خلفية التصعيد: من الحصار في كايس إلى شلل الحركة في الجنوب
تأتي هجمات اليوم في سياق تصاعد غير مسبوق في أنشطة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي فرضت منذ بداية سبتمبر 2025 حصارًا خانقًا على مدينتي كايس ونيورو دي ساهيل غرب البلاد.
أعلنت الجماعة آنذاك منع مرور الوقود والبضائع عبر الطرق المؤدية إلى المنطقة، واستهدفت كل من خالف تعليماتها بالقتل أو الاختطاف، من بينهم ستة سائقين سنغاليين.
وبحسب تقارير ميدانية، أدى هذا الحصار إلى أعلى مستوى من العنف السياسي في إقليم كاي منذ عام 1997، فيما توسّعت رقعة العمليات لاحقًا إلى مناطق كوليكورو وسيغو وسيكاسو — وهي الشرايين التي تربط العاصمة باماكو بمناطق الإنتاج والحدود الغربية.
في 14 سبتمبر، نفذت الجماعة واحدة من أكبر عملياتها خلال العام، حيث هاجمت قافلة تضم أكثر من مئة شاحنة وقود كانت متجهة نحو باماكو. وأسفر الهجوم عن مقتل أو أسر عدد من الجنود وإحراق 51 شاحنة بالكامل، ونشرت الجماعة لاحقًا صورًا للشاحنات المدمّرة والأسلحة المصادرة، مهددةً باستهداف كل نشاط تجاري أو لوجستي مرتبط بالدولة.
رد الحكومة: قصف جوي وتصعيد محدود التأثير
ردّت القوات المسلحة المالية بسلسلة من الضربات الجوية والمداهمات بالمروحيات في مناطق دييما، نيورو، مادينا، وكيتا، معلنةً مقتل العشرات من مقاتلي الجماعة.
لكن رغم التصريحات الرسمية التي كانت ضمن دعايتها المفرطة لتضليل الشعب، لم تُترجم هذه العمليات إلى تحسّن ملموس على الأرض.
ففي وقتٍ تواصل فيه الجماعة هجماتها وتوسّع نطاق نفوذها، تتفاقم آثار الحصار على السكان المدنيين، حيث تشهد مدن الوسط والجنوب — من موبتي إلى باماكو — نقصًا حادًا في الوقود في جميع المدن المالية ومن بينها العاصمة بماكو وارتفاعًا جنونيًا في الأسعار.
اختطاف رمزي على طريق باماكو – سيغو
وفي ظل هذا الانفلات الأمني، شهدت مالي في 3 أكتوبر 2025 حادثة اختطاف أثارت صدمة واسعة.
فبين قريتي بينكيبوغو وتيغي على طريق سيغو – باماكو، أقدم مسلحون على اختطاف ثلاثة موظفين من مكتب النيجر، وهم:
- بولو كوليبالي، مهندس الأشغال،
- محمد بواكي تراوري، موظف،
- جوليان ساكو، سائق المركبة.
ومنذ ذلك الحين، لم تظهر أي مؤشرات على مكانهم أو مصيرهم.
هذه الحادثة، التي وقعت في قلب البلاد وعلى طريق من أكثر المحاور حيوية، تختصر انهيار منظومة الأمان حتى في المناطق التي كانت تُعدّ سابقًا مستقرة.
بلد يختنق بين الحصار والخوف
تتراكم الأزمات في مالي بوتيرة متسارعة:
الطرق التي كانت تربط المدن باتت مناطق خطر، والوقود أصبح سلعة نادرة، والمواطنون يدفعون ثمن حرب مفتوحة لا نهاية تلوح لها في الأفق.
وبينما تغرق الدولة في وعود الإصلاح والبنية التحتية — من طرق حديثة إلى سكك حديدية جديدة — تختفي المشاريع على الأرض كما يختفي المهندسون على الطرق.
الحقيقة المرّة أن الحصار لم يعد فقط عسكريًا أو اقتصاديًا، بل بات حصارًا على الأمل ذاته في هذا البلد الذي يختنق شيئًا فشيئًا بين أيدي الحرب والإهمال.
Share this content:
اترك رد