عدد المشاهدات:
278
تصعيد أمني خطير في مالي وتحركات إقليمية لاحتواء التهديد الجهادي: من ساندري إلى واغادوغو، خارطة جديدة تتشكل
تشهد منطقة الساحل وغرب إفريقيا تصعيدًا غير مسبوق في وتيرة الهجمات المسلحة وتحركات الفاعلين السياسيين والعسكريين، في وقت تتفاقم فيه التحديات الأمنية وتتعقّد خريطة التحالفات الإقليمية. ففي أقل من 24 ساعة، ضربت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) هدفين عسكريين في مالي، معلنة سيطرتها على مواقع استراتيجية في غوسي شمالًا وساندري غربًا، بينما كانت العاصمة البوركينابية واغادوغو تشهد زيارة لافتة لرئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، في مؤشر على تغير قواعد اللعبة في المنطقة.
هجمات منسّقة من تومبكتو إلى كاي: هل تفقد باماكو السيطرة؟
أعلنت جماعة JNIM صباح السبت 17 مايو 2025 عن سيطرتها على ثكنة عسكرية مالية في بلدة ساندري بولاية كاي، قرب الحدود مع السنغال وموريتانيا. ويأتي هذا الهجوم بعد يوم واحد فقط من إعلان الجماعة عن اقتحام بوابة عسكرية في غوسي بولاية تمبكتو في إقليم أزواد، وهو ما يكشف بوضوح قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات منسقة ومتزامنة على بعد مئات الكيلومترات.
هذا التصعيد يشير إلى تراجع في قدرة الجيش المالي، رغم الدعم الذي يتلقاه من المرتزقة الروس (فاغنر) المنتشرين في عدة مناطق من البلاد. ومع غياب أي تعليق رسمي من السلطات المالية حتى لحظة نشر هذا التقرير، تتزايد المخاوف بشأن حجم الخسائر البشرية في صفوف الجيش، وسط تقارير محلية تتحدث عن سقوط قتلى وأسرى.
البُعد الجغرافي: ساندري كنقطة تحول غرب البلاد
تكمن أهمية الهجوم على ساندري في موقعها الجغرافي الحساس؛ فهي قريبة من الحدود السنغالية والموريتانية، الأمر الذي يثير مخاوف إقليمية جدّية من امتداد نشاط الجماعات الجهادية إلى الدول المجاورة، خاصة السنغال التي كانت حتى الآن بمنأى عن العنف الجهادي المباشر.
ويبدو أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تعمدت توجيه رسالة واضحة بأن ساحات عملياتها لم تعد مقتصرة على الشمال أو الوسط، بل إنها بصدد فتح جبهات جديدة قد تُربك حسابات الجيش المالي وحلفائه وتضغط على الحكومات الإقليمية التي كانت تراهن على “الجغرافيا” كحاجز أمني طبيعي.
هل نحن أمام تحول استراتيجي لدى JNIM؟
بات واضحًا أن JNIM تعتمد على تكتيك التمدد الجغرافي المتزامن، مستغلة ضعف الدولة في أطرافها وتشتت جهود الجيش المالي بين الشمال والوسط. وإذا تأكدت هذه المؤشرات، فإن الجماعة تسعى إلى فرض معادلة ميدانية جديدة على الأرض، تُربك المساعي الحكومية لاستعادة السيطرة وتضع الحكومة الانتقالية في باماكو أمام تحديات أمنية معقدة وغير مسبوقة.
سونكو في واغادوغو: تحرك دبلوماسي يعكس حجم القلق السنغالي
في خضم هذه التطورات، برزت زيارة رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو إلى واغادوغو كحدث سياسي وأمني لافت. فخلال لقائه بالرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري، أعلن سونكو استعداد بلاده الكامل للتعاون مع بوركينا فاسو في مواجهة الإرهاب، مؤكدًا أن السنغال “لا تستبعد أي شكل من أشكال التعاون”، في إشارة واضحة إلى تغير جذري في سياسة داكار التقليدية المبنية على الحذر والحياد.
سونكو لم يُخفِ قلقه من اتساع دائرة العنف، محذرًا من أن “الاعتقاد بأن ما يحدث في بوركينا ومالي والنيجر سيبقى محصورًا داخل حدودها هو مجرد وهم”. فالهجمات المتكررة على بلدات مثل ديبو ودياباغا داخل بوركينا، وارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من 26 ألفًا خلال العقد الأخير، أكثر من نصفهم في السنوات الثلاث الماضية، تفرض مقاربة جديدة.
تحالفات جديدة بعد انسحاب إيكواس: هل تنضم السنغال إلى محور الساحل؟
زيارة سونكو إلى واغادوغو تزامنت مع تزايد الحديث عن محور ثلاثي يضم بوركينا فاسو، مالي، والنيجر، وهو التحالف الذي برز بعد انسحاب الدول الثلاث من مجموعة إيكواس. هذا المحور يهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بعيدًا عن الإملاءات الغربية.
في هذا السياق، تبدو السنغال أمام خيارين استراتيجيين: إما الانضمام لهذا المحور الجديد وتكريس سياسة التعاون المباشر مع جيرانها المهددين، أو الحفاظ على حيادها التاريخي مع اتخاذ تدابير أمنية داخلية مشددة تحسّبًا لامتداد “العدوى الجهادية”.
رسائل مزدوجة وتحديات مفتوحة
رسائل الهجمات في ساندري وغوسي موجهة أولًا لباماكو، وثانيًا لجيران مالي. أما زيارة سونكو، فترسل إشارات بأن الهجوم على الأطراف لم يعد مستبعدًا، وأن خارطة الإرهاب في الساحل تشهد تحولات غير مسبوقة.
وبينما يشارك سونكو في تدشين ضريح الزعيم الثوري توماس سانكارا، تتكثف الأسئلة حول طبيعة التعاون الإقليمي المنتظر: هل نحن أمام مرحلة جديدة من التنسيق العسكري والاستخباراتي؟ أم أن الأمور ستبقى في دائرة التصريحات التضامنية؟
ما هو مؤكد أن معركة الساحل دخلت فصلًا جديدًا، حيث لم يعد بإمكان أي دولة في المنطقة تجاهل نيرانها، ولا التقليل من أثر تمدد الجماعات المسلحة التي تُعيد رسم موازين القوى بأدواتها الخاصة وبسرعة مقلقة.
Share this content:
اترك رد