مالي بين نيران الإرهاب وخسائر الجيش: عشرات الجنود يسقطون في معركة بير الدامية
يشهد شمال مالي تصاعدًا مستمرًا في أعمال العنف والصراع، حيث تشتد الهجمات بين القوات الحكومية المالية والجماعات المسلحة المختلفة، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) المرتبطة بتنظيم القاعدة. من أحدث التطورات في هذا السياق، الهجوم العنيف الذي استهدف معسكرًا عسكريًا في بير بتاريخ 6 أكتوبر 2024، وهو جزء من صراع طويل الأمد في المنطقة يتجاوز القضايا العسكرية ليشمل عوامل سياسية وإقليمية. وقد أدى هذا الهجوم إلى خسائر كبيرة في صفوف الجيش المالي، حيث قُتل نحو مئة جندي.
خلفية الهجوم
الهجوم الذي استهدف معسكر بير بدأ بتفجير سيارة مفخخة عند مدخل الثكنة، مما أدى إلى تسلل المهاجمين إلى داخل المعسكر العسكري. استغل المهاجمون هذه اللحظة لتنفيذ هجوم شامل عبر تفجير سيارتين مفخختين إضافيتين، مما تسبب في أضرار بالغة. تلا الهجوم اندلاع معارك عنيفة بين المهاجمين وقوات الجيش المالي، إلا أن ظهور طائرات مسيّرة في السماء دفع المهاجمين إلى الانسحاب السريع قبل تحقيق هدفهم الرئيسي، وهو السيطرة الكاملة على المعسكر أو إلحاق خسائر مادية كبيرة. ومع ذلك، فقد بلغت الخسائر البشرية مستوى غير مسبوق، حيث سقط حوالي مئة جندي قتلى، مما أدخل البلاد في حالة حداد وأدى إلى شبه سيطرة المهاجمين على المدينة.
استخدام الطائرات المسيرة
اللافت في هذا الهجوم هو استخدام الجيش المالي لطائرات مسيّرة جديدة، وُصفت بأنها صغيرة الحجم وتعرف باسم “كلاشنيكوف” الانتحارية، وهي طائرات مسيرة روسية الصنع. وعلى الرغم من إطلاق هذه الطائرات، إلا أن فشل حمولتها في الانفجار يعني أن الهجوم المضاد الذي قامت به القوات المالية لم يكن فعالًا بالشكل المتوقع. هذا التطور يشير إلى تطور في التكنولوجيا العسكرية المستخدمة في مالي، مع الاعتماد المتزايد على الدعم الروسي، إلا أن ذلك لم يحمِ الجنود من الخسائر الفادحة.
القمع في غاو
بعد الهجوم في بير، شهدت مدينة غاو حملة مداهمات وتفتيشات واسعة النطاق قامت بها مجموعات من المرتزقة الروس الذين يُعتقد أنهم يعملون جنبًا إلى جنب مع القوات المالية. استهدفت هذه الحملة تحديدًا منازل الطوارق والعرب، وهو ما يعكس التوترات العرقية والسياسية العميقة التي تشهدها المنطقة. تم اعتقال ثلاثة شبان أبرياء خلال هذه المداهمات، وهو ما زاد من حالة الذعر والاضطراب بين السكان.
الوضع الإنساني المتدهور
في سياق موازٍ، كانت هناك حملة عسكرية أخرى تهدف إلى استعادة منطقة تينزاواتين وتمشيط المنطقة بحثًا عن جثث المرتزقة الروس الذين قتلوا في معارك سابقة. إلا أن المفارقة تكمن في أن القافلة التي أُرسلت لهذه المهمة عادت دون العثور على جثث المقاتلين الروس، في حين تم العثور على جثث جنود ماليين مقتولين، وقد تُركت في العراء. وبما أن هذه الجثث لم تكن الهدف الأساسي للمهمة، فقد تم تجاهلها وتركها، مما يعكس استهانة القيادة العسكرية المالية بحياة جنودها.
تفشي الملاريا
أثناء هذه العمليات، تفشت وباء الملاريا بين الجنود المشاركين في الحملة العسكرية، مما أضاف عبئًا جديدًا على القوات المالية والروسية. كان الجنود الروس الأكثر عرضة لهذا المرض الاستوائي الذي غالبًا ما يكون قاتلًا للأوروبيين. هذا الوضع زاد من حالة الذعر في صفوف القوات، مما أثر بشكل مباشر على معنويات الجنود وقدرتهم على تنفيذ المهام الموكلة إليهم.
الترددات العسكرية والتأثير السياسي
يبدو أن القوات المالية باتت تعاني من تردد في اتخاذ القرارات بسبب الضغوط السياسية والعسكرية. التقارير تشير إلى أن الجنرال غامو، أحد قادة الجيش، قد تواصل مع رئيس الأركان في باماكو للتعبير عن مخاوفه بشأن قوة العدو المتزايدة. وفقًا للمعلومات الاستخباراتية التي قدمها حاكم كيدال، فإن العدو قد عزز قواته بشكل كبير مقارنةً بالمعركة السابقة في تينزاواتين، وهي المعركة التي ما زالت تؤرق القيادة العسكرية المالية، وخاصة العقيد عاصمي غويتا ورفاقه. الهزيمة التي تعرضوا لها في تلك المعركة تسببت في صدمة نفسية عميقة لا يبدو أنها قابلة للعلاج.
تحليل الموقف
من خلال هذا الاستعراض للوضع في شمال مالي، يتضح أن الجيش المالي والقوات المتحالفة معه، بما في ذلك المرتزقة الروس، يعانون من عدة تحديات، سواء كانت عسكرية أو لوجستية أو صحية. الهجوم الأخير على معسكر بير لم يكن مجرد تصعيد في العمليات العسكرية، بل كان بمثابة ضربة موجعة للقوات المالية، حيث فقدت نحو مئة جندي، مما يعمق جراح القوات ويزيد من التوترات السياسية والعسكرية.
في النهاية، يبقى التساؤل المطروح هو إلى متى ستتمكن الحكومة المالية من الحفاظ على سيطرتها في ظل التوترات الداخلية، والأزمات الصحية، والعجز في القيادة.