أخبار عامة

فاغنر في إفريقيا: استراتيجية روسية لاستغلال الفوضى والسيطرة على الثروات

شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى تحولاً خطيراً ومعقداً منذ وصول مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية في عام 2018. دخلت هذه المجموعة البلاد تحت غطاء الدعم العسكري لحكومة الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، الذي كان يسعى لتعزيز سلطته في مواجهة التمردات الداخلية. إلا أن الأمور سرعان ما كشفت عن استراتيجية أوسع تتجاوز مجرد تقديم الدعم العسكري، لتشمل استغلال موارد البلاد والسيطرة عليها، مما يحولها إلى منطقة نفوذ استراتيجي لروسيا. هذا النهج الاستعماري الجديد الذي تتبعه روسيا في جمهورية إفريقيا الوسطى، يتكرر أيضاً في دول الساحل، لكن بآثار أكثر تدميراً.


تأثير فاغنر على السيادة السياسية والاقتصادية لجمهورية إفريقيا الوسطى

منذ بداية تدخل فاغنر في عام 2018، فقدت جمهورية إفريقيا الوسطى جزءاً كبيراً من سيادتها السياسية والاقتصادية. تم استقدام قوات فاغنر في الأصل لتعزيز الأمن ومساعدة الحكومة في مواجهة الجماعات المسلحة، لكن سرعان ما تجاوز دورها الحدود الأمنية، لتبدأ في السيطرة على الثروات الطبيعية، خصوصاً مناجم الذهب والألماس. أصبحت فاغنر قوة مهيمنة داخل البلاد، تتحكم في ثرواتها وتؤثر على قراراتها السياسية.

حادثة منع وزير المناجم، روفين بنام-بلتونغو، من الوصول إلى منجم ذهب جديد في نداسيما في أغسطس الماضي، تعكس بوضوح هذا الواقع. السيطرة التي فرضتها فاغنر على هذه الموارد الحيوية، تتحدى بشكل مباشر السلطة الوطنية، وتؤكد أن مهمتها ليست أمنية فقط، بل تمتد إلى السيطرة الاقتصادية.

الأمر لا يتوقف عند الثروات الطبيعية، فقد قامت فاغنر بتركيب كاميرات مراقبة في القصر الرئاسي، ما يعكس مستوى عالياً من التدخل والسيطرة على القرارات السياسية للرئيس تواديرا. هذه الممارسات تدل على فقدان استقلالية البلاد في اتخاذ قراراتها، وتكشف عن أن تحالف الرئيس مع روسيا لم يجلب له سوى مزيد من القيود.

محاولة تواديرا للتقارب مع فرنسا

في ظل هذه الظروف، بدأ الرئيس تواديرا يدرك أن الاعتماد المفرط على فاغنر وروسيا يشكل خطراً على مستقبل بلاده. لذا، يسعى الآن إلى إعادة بناء العلاقات مع فرنسا، التي تم قطعها في عام 2018. هذه المحاولة للتقارب تأتي في إطار إدراك المخاطر التي تفرضها الهيمنة الروسية على البلاد. ولكن التوتر القائم بين روسيا وفرنسا، وتردد باريس في التدخل مجدداً، يجعل هذه الخطوة معقدة وصعبة التنفيذ. التحالف مع فاغنر أثبت أنه غير مستدام، وربما يشكل تهديداً حقيقياً على استقرار جمهورية إفريقيا الوسطى على المدى الطويل.

تداعيات تدخل فاغنر في منطقة الساحل

الوجود الروسي من خلال فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى هو جزء من استراتيجية روسية أكبر تهدف إلى توسيع نفوذها في إفريقيا، وهو ما يتضح بشكل متزايد في دول الساحل مثل مالي و أزواد ، بوركينا فاسو، والنيجر. هذه الدول التي تعاني من أزمات أمنية عميقة، لجأت إلى فاغنر بعد انسحاب القوات الفرنسية، على أمل تحقيق الاستقرار. ولكن الواقع أثبت أن تدخل فاغنر في هذه الدول أدى إلى تفاقم الفوضى، بدلاً من تحقيق الأمن والاستقرار.

الخاتمة

استراتيجية روسيا في إفريقيا، وخاصة من خلال مجموعة فاغنر، تقوم على استغلال الفوضى السياسية والأمنية للسيطرة على الموارد الطبيعية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية. ما يحدث في جمهورية إفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل يكشف عن خطر جديد يهدد استقلال هذه الدول وثرواتها، ويزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية فيها.

x

صحفي مستقل

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

error: Content is protected !!