صوت الحق
أخبار أزواد

الاعتماد المتزايد لمالي على المرتزقة: أربع مجموعات أجنبية في الحرب ضد أزواد.



منذ عقود، تشهد منطقة أزواد نزاعًا مستمرًا بين السكان المحليين والقوات المالية، في ظل مطالب أزوادية بالاستقلال ورفض للسلطة المركزية في باماكو. ومع تزايد الضغط على الحكومة المالية، لا سيما بعد الانقلاب العسكري في 2020، برزت استراتيجية جديدة اعتمدت فيها مالي على شركات أمنية دولية وقوات مرتزقة لمساعدتها في مواجهة الحركات الأزوادية. في هذا السياق، أصبحت مالي ساحة لتواجد عدد من الشركات الأمنية الدولية والمرتزقة، مثل مجموعة فاغنر الروسية وشركة SADAT التركية، وصولًا إلى “الفيلق الإفريقي” وشركة “Canik Academy” التركية.

السياق التاريخي والسياسي

تعود جذور النزاع بين أزواد ومالي إلى فترات الاستعمار الفرنسي، حيث ضمّت فرنسا منطقة أزواد إلى مالي فترة الاستقلال 1960 ، ما أسفر عن أزمات سياسية وأمنية مع السكان الأزواديين وادى الى عدة ثورات بدأت منذ 1963 الى 2012 . في السنوات الأخيرة، وبعد الانقلاب الذي وقع في 2020، تزايد التوتر في أزواد، ما دفع المجلس العسكري المالي الحاكم إلى الاستعانة بشركات أمنية ومرتزقة بهدف السيطرة على المنطقة، وسط تراجع القدرة المالية على إدارة النزاع بوسائل تقليدية.

الشركات الأمنية الدولية ودورها في مالي

1. مرتزقة فاغنر: وصلت مجموعة فاغنر، المرتبطة بالحكومة الروسية، إلى مالي في ديسمبر 2021 بهدف دعم القوات المالية في حربها ضد الحركات الأزوادية. ورغم هذا الدعم، لم تتمكن المجموعة من تحقيق تقدم ملحوظ ضد الأزواد، بل تورطت في ارتكاب مجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين، مما أدى إلى مزيد من التوتر بين السكان المحليين والقوات المالية.


2. شركة SADAT التركية: في خطوة نحو توسيع تعاونها العسكري، استعانت مالي بشركة SADAT التركية لتدريب قواتها المسلحة على الأسلحة والطائرات المسيرة التركية. ويعكس هذا التعاون العلاقات الوثيقة التي تربط بين مالي وتركيا، حيث تسعى مالي لتعزيز قدراتها العسكرية باستخدام التكنولوجيا التركية.


3. الفيلق الإفريقي: بعد هزيمة مجموعة فاغنر في معركة تينزاوتين في يوليو 2024، لجأت مالي إلى “الفيلق الإفريقي”، الذي يضم مقاتلين سابقين في فاغنر ويعملون حاليًا تحت قيادة وزارة الدفاع الروسية، خاصة بعد وفاة قائد فاغنر، يفغيني بريغوجين. وصل هذا الفيلق إلى غاو في سبتمبر 2024 وحاول تنفيذ عملية عسكرية في تينزاوتين بين 30 سبتمبر و9 أكتوبر 2024، إلا أن العملية باءت بالفشل وعاد المقاتلون إلى كيدال دون مواجهة مع الحركات الأزوادية.


4. شركة Canik Academy: ظهرت شركة الأمن التركية Canik Academy في مالي مؤخرًا، حيث تم نشر مقطع دعائي يظهرها تقوم بتدريب الجنود الماليين. وبهذا، تصبح هذه الشركة رابع شركة أمنية أجنبية تتعاون معها مالي منذ الانقلاب، ما يعكس مدى اعتماد الدولة على الدعم الخارجي.



الأبعاد القانونية والأخلاقية

يثير اعتماد مالي على المرتزقة العديد من التساؤلات القانونية والأخلاقية. يعتبر وجود المرتزقة الأجانب على الأراضي المالية انتهاكًا محتملاً للقانون الدولي، إذ أن استخدام القوات الأجنبية لمكافحة حركات تحررية تستخدم أسلحة عادية اقل كفاءة من قوة الدولة  يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الانتهاكات ضد حقوق الإنسان. كما يعرض ذلك الماليين لخطر الانتهاكات من قبل مجموعات أجنبية تعمل بشكل غير منظم أو بمعايير مختلفة عن المعايير المحلية.

نتائج استراتيجية الاعتماد على المرتزقة

بدلًا من أن تحقق مالي تقدمًا عسكريًا ملموسًا في مواجهتها مع الأزواديين، أدى استخدام المرتزقة إلى تصاعد أعمال العنف ضد المدنيين وتزايد التوتر بين الحكومة والسكان المحليين. كما تسبب هذا في تكبد مالي نفقات ضخمة لتعويض هذه الشركات، ما زاد من استنزاف الموارد الوطنية وأثر سلبًا على الاقتصاد.

الردود المحلية والدولية

أثارت سياسة الاعتماد على المرتزقة انتقادات واسعة، حيث يرى العديد من الأزواديين والمنظمات الحقوقية أن مالي تتحمل المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها هذه المجموعات. كما أبدت بعض الدول الإقليمية، مثل الجزائر، قلقها إزاء انتشار المرتزقة في المنطقة وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي.

تحليل وتوقعات المستقبل

من المحتمل أن تواجه مالي عواقب وخيمة على المدى الطويل نتيجة اعتمادها المفرط على المرتزقة. قد يؤدي هذا إلى عزلة الدولة دوليًا وتزايد التوتر الداخلي. مع تزايد الضغوط الدولية والمطالبات بحقوق الإنسان، قد تضطر مالي إلى إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية وتبني نهج أكثر استدامة في التعامل مع النزاعات الداخلية، مثل تعزيز الحوار السياسي مع الأطراف المحلية بدلًا من الاعتماد على القوة العسكرية الأجنبية.

الخاتمة

في النهاية، يبدو أن سياسة مالي الحالية في الاعتماد على المرتزقة الدوليين لا تؤدي إلى استقرار الوضع، بل تعمق الأزمات الداخلية وتفاقم معاناة السكان المحليين. إن استعادة السيادة الوطنية التي تدّعيها الحكومة المالية تتناقض مع وجود مجموعات مرتزقة تتدخل في شؤون البلاد، مما يستدعي التفكير في حلول سياسية بديلة تحترم حقوق الشعب وتحقق السلام الدائم في المنطقة.

صحفي مستقل

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

Slide Up
x