نظرة على واقع أزواد: جدلية القضية والتحالفات وأزمة الوعي
يشهد الوضع في أزواد جدلاً واسعاً بين النخب السياسية والمجتمعية حول مسار القضية، طبيعة العلاقات الإقليمية، وسبل التحرك نحو تحقيق أهداف المنطقة. فقد أثار النقاش الدائر بين أعضاء منتدى أزواد السياسي مواضيع تتعلق بأهمية الشفافية في طرح القضايا الوطنية، وضرورة تغيير الإستراتيجيات التقليدية التي لم تؤدِ إلى نتائج حاسمة منذ التسعينيات.
العمل السري بين محدودية النتائج وضرورة الشفافية
يشير البعض إلى أن النهج السري في معالجة القضايا الأزوادية منذ التسعينيات لم يسفر عن تقدم حقيقي؛ فالاتصالات التي كانت تجري خلف الأبواب المغلقة بين القيادات المحلية والمسؤولين لم تكن كافية لخلق تغييرات ملموسة. يرى هؤلاء أن استمرار الاعتماد على هذه الأساليب قد أصبح غير فعال، مما يحتم على النخب السياسية الاتجاه نحو التحدث بشكل علني، وفتح باب النقاش مع الشعوب، بحيث يتم توجيه الوعي الشعبي نحو جوهر القضية وأبعادها، بعيداً عن تأثيرات الأفراد المرتبطين بالأنظمة والحكومات.
أزمة مالي: دولة أم واجهة؟
تتعدد الآراء حول طبيعة الدولة المالية في سياق التعامل مع قضية أزواد. يذهب بعض المتحاورين إلى اعتبار مالي مجرد واجهة شكلية لا تملك القدرة الفعلية على اتخاذ قرارات مستقلة، ويرون أن النظام المالي أشبه بمسرحٍ تتوالى على خشبته شخصيات عسكرية، مدفوعةً بأجندات خارجية، خاصةً من الجزائر. ويعتقد هؤلاء أن مالي ليست سوى دولة تحت التأثير الخارجي، إذ تُسيطر عليها القوى الدولية والإقليمية، فيما يتم إبقاء شخصيات عسكرية في الواجهة.
في المقابل، يرى البعض أن مالي لديها تأثير محلي وقد استطاعت بقراراتها إشراك قوى أجنبية مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي، وذلك بموافقة ضمنية من الحكومة المالية. ويعتبر هؤلاء أن هذه الحكومة، سواء كانت منتخبة أم انتقالية، تبقى جزءاً من المشهد الإقليمي، وأن إضعافها لن يصب بالضرورة في مصلحة أزواد.
التدخل الجزائري: أصدقاء أم أعداء؟
تأخذ الجزائر، كونها دولة جارة، مساحة واسعة من النقاش. يتفق العديد من الأعضاء على أن الجزائر تدير علاقتها بأزواد وفق مصالحها، مؤكدين أن الجزائر، رغم كل تدخلاتها، لا تعتبر صديقة لقضية الأزواديين. وتثير هذه النقطة جدلاً بين من يرى في الجزائر شريكاً غير موثوقٍ، لا يُعطي دون مقابل، وبين من يرى أن الجزائر لها نفوذ يجب التعامل معه بحذر وواقعية. هؤلاء يعتقدون أن الجزائر تتعامل بشكل متوازن بين مختلف الأطراف للحفاظ على استقرارها الداخلي، وأنها ليست “الأم الحنون” التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق أهداف أزواد.
التضحيات المستمرة ومراجعة المكتسبات
ينبثق عن هذا النقاش حسٌّ بالامتنان لتضحيات الأجيال السابقة التي لم تزل تسعى، رغم العقبات، نحو تحقيق استقلالية أزواد وكرامته. يرى البعض أن الثورة التي حملت على عاتقها هذه التضحيات لا تزال قائمة، وتحتاج فقط إلى آلياتٍ أكثر فعالية تضمن الحفاظ على المكتسبات. فهناك من يعتقد أن الثورة بحاجة إلى تنظيمٍ واعٍ وشفافية في العمل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ولإيصال حقيقة القضية إلى الجمهور الأوسع.
أزمة الوعي وتحدي الارتقاء بالذات
يشير بعض الأعضاء إلى ما وصفوه بأزمة الوعي الجمعي لدى المجتمع الأزوادي، حيث يعتبرون أن جزءاً من المجتمع يمر بما يشبه “سيكولوجية الإنسان المقهور”، التي تجعل الإنسان يصنع علاقةً تقديرية مع من يسلبه حقوقه ويعتدي عليه. يعزو البعض هذا الواقع إلى الظروف الصعبة التي عاشها المجتمع، الأمر الذي أدى إلى نقصٍ في الوعي بحقوقهم وأحقيتهم في امتلاك السيادة على أراضيهم ومقدراتهم.
ويؤكد هؤلاء أن العالم اليوم بات مكشوفاً بفضل وسائل الإعلام وتقنيات التواصل، حيث أصبحت الحقائق متاحةً للجميع، ولم يعد هناك مجالٌ لحجب الحقيقة عن الشعب الأزوادي. ويدعون إلى ضرورة استثمار هذه التقنية لبث الوعي وتثقيف المجتمع الأزوادي حول حقوقه ومطالبه، بعيداً عن تأثيرات التبعية أو الخضوع للأطراف الخارجية. يُنظر إلى السكوت عن هذا الوضع على أنه أشبه بجريمة في حق هذا الشعب، إذ أن الحق لا يُمنح، بل يُنتزع بالدفاع عنه، حتى لو استدعى الأمر مواجهة العقبات السياسية والدبلوماسية.
إلى أين يتجه أزواد؟
يطرح هذا النقاش تساؤلات عميقة حول مستقبل أزواد وتحدياته. فبينما تُثقل كاهل الشعب الأزوادي قضايا معقدة ومعاناة متواصلة، يعبر النقاش عن رغبة جماعية في تجاوز هذه الأزمات من خلال تعزيز الوعي وتجديد الإستراتيجيات. إن أزواد يواجه معركةً صعبةً، ليس فقط ضد خصومه، بل أيضاً ضد المفاهيم التي تُقيد الوعي، وتجعل البعض يتقبلون واقعهم تحت وطأة القهر.
إن نجاح الأزواديين في تحقيق طموحاتهم مرهونٌ بقدرتهم على الإصرار، تعزيز وحدتهم، وإشراك المجتمع في العملية التوعوية. فمن خلال الحوار الصادق والوعي الحقيق، قد يتمكن الأزواديون من إعادة صياغة مسارهم، بحيث لا يكونوا فقط “ضحايا التاريخ”، بل صانعي مستقبلٍ أفضل.