استفزازات أتباع الإنقلابيين ورد اللاجئين الأزواديين: لماذا تنحاز موريتانيا ضد الضحايا؟
في زيارة لوزير الداخلية الموريتاني، محمد أحمد ولد محمد الأمين، إلى مخيم “امبره” للاجئين الأزواديين، أثارت تصريحاته استنكاراً واسعاً بين اللاجئين الذين يعتبرون موقف الحكومة الموريتانية تحيزاً ضدهم لصالح النظام المالي، الذي كان السبب الرئيسي في لجوئهم إلى موريتانيا. جاء الوزير مستنكراً رد فعل اللاجئين الأزواديين على محاولات استفزازية من عناصر مرتبطة بالجيش المالي، محملاً اللاجئين مسؤولية أي توتر يحدث داخل المخيم، ومتجاهلاً تماماً معاناة هؤلاء اللاجئين والأسباب التي دفعتهم للفرار من بلادهم.
اللاجئون في وجه الجيش المالي
منذ عام 2012، يعاني الشعب الأزوادي من القمع والاضطهاد على يد الجيش المالي، الذي ارتكب بحقهم أبشع الجرائم من قتل وتهجير وتدمير لقراهم وممتلكاتهم. كانت هذه الجرائم الدافع الرئيسي وراء نزوح آلاف الأزواديين نحو موريتانيا ودول أخرى مجاورة، هرباً من القمع بحثاً عن الأمان. وفي الوقت الذي يتحدث فيه الوزير الموريتاني عن “الضيافة” التي تقدمها موريتانيا للاجئين، يتجاهل المعاناة الطويلة التي تعرضوا لها على يد النظام المالي.
ما حدث في المخيم لم يكن سوى رد فعل طبيعي من اللاجئين الأزواديين الذين رفضوا محاولات العناصر المرتبطة بالجيش المالي لإثارة التوتر داخل المخيم. هذه العناصر، التي تمثل القوة التي دمرت منازلهم ودفعتهم للجوء، جاءت لتستفز مشاعر اللاجئين، فكان الرد مجرد مظاهرة سلمية عبروا فيها عن رفضهم للوجود المالي داخل المخيم. لكن بدلاً من أن يُنظر إلى هذا الاحتجاج كحق مشروع للاجئين في الدفاع عن كرامتهم، جاء الوزير ليستنكر فعلهم ويصفه بأنه خرق للقوانين، دون أدنى إشارة لما قامت به تلك العناصر من استفزاز.
لماذا يتم استنكار رد الفعل المشروع؟
تصريحات وزير الداخلية، التي أكد فيها رفض موريتانيا لانخراط اللاجئين في السياسة المحلية أو إثارة النزاعات الطائفية، تُعتبر هروباً من الواقع ومساهمة في تكميم أفواه اللاجئين الأزواديين الذين يعانون من الاحتلال والقمع. إن اللاجئين الأزواديين لم يأتوا إلى موريتانيا للتدخل في شؤونها الداخلية، بل جاؤوا هرباً من الظلم والقتل الذي يمارسه الجيش المالي. وكان من الأولى بالوزير أن يقف إلى جانب هؤلاء اللاجئين، ويساندهم في حقهم في العيش بكرامة بعيداً عن التهديدات المالية، بدلاً من الانحياز الصريح للعناصر التي تمثل القمع المالي.
إنكار الحقيقة وتشويه الواقع
إن محاولة الحكومة الموريتانية تصوير اللاجئين الأزواديين كمصدر توتر داخل المخيمات هو تجاهل للحقيقة الواضحة. الجيش المالي هو من دفع بهؤلاء اللاجئين إلى المخيمات بعد أن مارس أبشع أنواع العنف ضدهم. إن المظاهرة التي قام بها اللاجئون كانت تعبيراً سلمياً عن رفضهم لممثلي هذا النظام القمعي، وليست محاولة لإثارة الفوضى أو الانخراط في السياسة. يجب على الحكومة الموريتانية أن تدرك أن حماية اللاجئين ليست مجرد توفير الغذاء والمسكن، بل تتطلب أيضاً حمايتهم من التهديدات التي دفعتهم للجوء في المقام الأول.
الحقوق الإنسانية للاجئين
اللاجئون الأزواديون لم يأتوا إلى موريتانيا طواعية، بل كانوا مضطرين للفرار من وطنهم بسبب القمع الذي تعرضوا له. وهم اليوم يعيشون في مخيمات اللاجئين ليس كضيوف، بل كأشخاص هربوا من الموت والعنف. إن موقف وزير الداخلية الموريتاني الذي يرفض أي نوع من الاحتجاج السلمي، ويهدد باتخاذ “إجراءات صارمة” ضد من ينخرط في مثل هذه الممارسات، هو موقف يقيد الحريات الأساسية لهؤلاء اللاجئين.
إن موقف الحكومة الموريتانية يجب أن يكون أكثر إنسانية وتفهمًا لمحنة اللاجئين الأزواديين. هؤلاء اللاجئون ليسوا مصدر التوتر، بل هم ضحايا لقمع نظام مالي، ويجب أن يكون لهم الحق في التعبير عن رفضهم لمن يمثل هذا النظام داخل المخيمات. تكميم أفواه اللاجئين واستنكار حقهم في التظاهر لن يحل المشكلة، بل يزيد من معاناتهم. على موريتانيا أن تراجع موقفها وأن تقف بجانب الحق والعدالة، وأن تحمي اللاجئين من أي تهديد قادم من العناصر المرتبطة بالجيش المالي.