التوتر بين مجموعة فاغنر والجيش المالي: بوادر تغيير في الاستراتيجية؟
شهدت عملية “الانتقام”، التي أطلقتها القوات المسلحة المالية بالتعاون مع مرتزقة مجموعة فاغنر في مدينة تينزاواتين، إخفاقًا جزئيًا كشف عن تصاعد التوتر بين الجانبين، ما قد يؤدي إلى إعادة تقييم النهج العسكري المتبع. رغم تحقيق الهدف الرسمي باستعادة جثث جنود ماليين سقطوا في اشتباكات يوليو الماضي، يبدو أن هذه العملية حملت في طياتها كثيرًا من الإخفاقات والتوترات التي قد تفرض تغييرات قادمة في الاستراتيجية.
فشل العملية العسكرية وإعادة التقييم
بعد عشرة أيام من التحرك، انسحب الجيش المالي وفاغنر من طريقهم نحو تينزاواتين، متجنبين مواجهة مباشرة مع قوات الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن شعب أزواد (CSP-DPA) التي تسيطر على المدينة منذ انتصارها الساحق في يوليو الماضي. عوضًا عن تحقيق نصر عسكري منتظر، بررت مصادر عسكرية مالية القرار بالتراجع بقولها: “لم تكن الشروط كاملة لإنجاح المهمة”، ما يعكس ارتباكًا في التخطيط وتباينًا في التقديرات.
كان من المتوقع أن تشكل هذه العملية محاولة لرد الاعتبار بعد الهزيمة السابقة، لكن اختيار الانسحاب يعكس ربما حرص القيادة العسكرية على تجنب كارثة جديدة. إلا أن هذه الخطوة قد تفتح الباب لتوترات داخلية وخارجية حول أداء الجيش المالي واستراتيجيته العسكرية، لا سيما في ظل الشراكة المتعثرة مع فاغنر.
تصاعد التوتر بين الجيش المالي وفاغنر
كشفت هذه العملية عن وجود فجوة كبيرة في الثقة بين القوات المالية ومرتزقة فاغنر. على منصات مثل تيليغرام، لم يتردد مرتزقة فاغنر في انتقاد الجيش المالي واتهامه بـ”قلة الاحترافية”. هذا الخطاب الناقد يعكس التوترات التي ظلت تتنامى منذ بداية التعاون بين الطرفين. يرى المحلل ماتيو أوليفييه أن مرتزقة فاغنر دخلوا مالي “بذهنية المنقذ”، مما جعلهم يتعاملون باستعلاء مع الجيش المالي، وهو ما لم يتقبله القادة العسكريون الماليون بسهولة.
هذا الاحتكاك المستمر قد يقود إلى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين مالي وفاغنر، خاصة في ظل انعدام الثقة المتبادل وتباين الأولويات بين الطرفين.
نحو تعزيز استراتيجية الطائرات المسيرة؟
في ظل هذه التوترات، يبدو أن مالي تميل نحو تعزيز اعتمادها على الطائرات المسيرة، أسوة ببوركينا فاسو والنيجر. هذا التحول في الاستراتيجية يعكس رغبة في تقليل الاعتماد على القوات البرية والمخاطرة بالعمليات المباشرة، والتركيز على تنفيذ هجمات دقيقة ضد الجماعات المسلحة.
أحداث غامضة جديدة في كيدال
تشهد منطقة كيدال، التي أصبحت مركزًا لتطورات متقلبة وغير واضحة الأهداف، تحركات عسكرية مريبة. في 19 أكتوبر 2024، تحركت قافلة تضم عناصر من فاغنر وميليشيات تابعة للجنرال غامو، متجهة إلى منطقة تاسيك، على بعد 50 كيلومترًا من كيدال، في محاولة جديدة للتقدم بحذر وبدون إضاءة ليلية لتجنب الكشف من قبل المتمردين.
تثير هذه التحركات المتكررة والمتعثرة تساؤلات حول مدى فعالية العمليات الميدانية التي يبدو أنها تتكرر دون تحقيق نتائج ملموسة، مما يزيد من التوترات السياسية والعسكرية. ويبدو أن هذا السيناريو يعكس تكرار أخطاء استراتيجية باهظة الثمن.
يظهر من هذه التطورات أن التعاون بين مالي وفاغنر يمر بأزمة ثقة قد تعجل بانتهاء هذا التحالف العسكري غير المستقر. في ظل هذه الأجواء، سيكون على مالي إعادة تقييم استراتيجياتها العسكرية وإيجاد حلول جديدة تلبي تحديات الميدان، سواء من خلال تعزيز القدرات المحلية أو التركيز على استخدام التكنولوجيا الحديثة كبديل للشراكات العسكرية المرهقة.