الهجوم على قرى منطقة ماسينا: إدانة واستنكار
بين 5 و13 ربيع الآخر 1446هـ، الموافق للفترة من 8 إلى 16 أكتوبر 2024م، تعرضت عدة قرى في منطقتي نارا ونامبالا بوسط مالي لهجمات دامية شنتها دوريات من الجيش المالي بمشاركة مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية. أسفرت هذه الهجمات عن إعدام 15 مدنيًا بريئًا، بينما لا يزال مصير 18 آخرين مجهولاً. كما تم تدمير 80 رأسًا من الماشية، وهو ما يضيف إلى حجم الكارثة التي ضربت سكان هذه المناطق الريفية.
خلفية الأحداث
منطقة ماسينا في وسط مالي تعدّ واحدة من أكثر المناطق تضررًا من الصراع المستمر منذ سنوات. على الرغم من محاولات الحكومة المالية لبسط سيطرتها على هذه المنطقة الحيوية، إلا أن الاشتباكات بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة تواصلت، مما جعل المدنيين عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان المتكررة. القوات الحكومية المالية التي تدعمها جماعات مثل “فاغنر” الروسية تواجه اتهامات متزايدة بارتكاب تجاوزات بحق المدنيين في إطار حملاتها العسكرية ضد المتمردين.
تفاصيل الهجوم
الهجمات الأخيرة استهدفت قرى تولل، غانكي، وجي بوقو في منطقة نارا، وقرية ندرغولي في منطقة نامبالا. خلال هذه العمليات العسكرية، التي قامت بها القوات الحكومية ومرتزقة “فاغنر”، تم إعدام 15 شخصًا بدم بارد، وفقًا لشهادات السكان المحليين. هؤلاء الأشخاص كانوا مدنيين غير مسلحين، وليس لهم أي علاقة بالنزاع الدائر، مما يجعل هذه الجريمة وصمة أخرى في سجل انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
في الوقت نفسه، تشير التقارير إلى أن 18 شخصًا آخرين اختفوا في ظروف غامضة خلال تلك الفترة. هذه الحالات من الاختفاء القسري تثير قلقًا شديدًا بين السكان المحليين، الذين يخشون أن يكون هؤلاء المختطفون قد تعرضوا للتعذيب أو الإعدام خارج إطار القانون.
الأثر على السكان المحليين
هذه الهجمات لا تؤثر فقط على حياة المدنيين الذين تعرضوا مباشرة للعنف، بل تتسبب أيضًا في تدمير الاقتصاد الريفي الذي يعتمد بشكل كبير على الزراعة وتربية الماشية. القوات المعتدية قتلت 80 رأسًا من البقر خلال هذه الهجمات، مما يعني خسارة فادحة للمزارعين الذين يعتمدون على هذه الحيوانات في معيشتهم. إن تدمير هذه الموارد الزراعية يزيد من تعقيد الحياة في هذه المناطق ويعزز الفقر والتهميش.
إلى جانب الخسائر البشرية والمادية، تعيش المناطق المستهدفة في حالة من الخوف وعدم اليقين. السكان لا يثقون في قدرة الحكومة على حمايتهم، بل يرون أن الجيش، الذي من المفترض أن يكون حاميًا لهم، قد تحول إلى مصدر للتهديد والخطر. كما أن وجود مرتزقة “فاغنر” يزيد من تعقيد المشهد، حيث تواجه هذه المجموعة اتهامات دولية بارتكاب تجاوزات في مناطق نزاع أخرى مثل أوكرانيا وسوريا.
دور مرتزقة فاغنر
“فاغنر” هي مجموعة عسكرية روسية خاصة تُستخدم في المناطق التي تتسم بعدم الاستقرار، وتقوم بدور يتجاوز بكثير مجرد تقديم الدعم العسكري، حيث تعمل على تحقيق مصالح روسيا في تلك المناطق. وجود “فاغنر” في مالي جاء بعد انسحاب القوات الفرنسية من البلاد، في إطار إعادة تشكيل التحالفات الأمنية في منطقة الساحل. لكن وجود هذه القوة العسكرية أثار مخاوف من تصاعد الانتهاكات بحق المدنيين، وهو ما تأكد في الهجوم الأخير على قرى ماسينا.
التنديد والاستنكار
الهجوم الوحشي على هذه القرى لاقى إدانة واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. هذه الجرائم تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر قتل المدنيين وتدمير ممتلكاتهم. كما أن استهداف المدنيين الأبرياء وتدمير سبل عيشهم يمثل تصعيدًا خطيرًا للأزمة الأمنية في مالي، ويدفع البلاد نحو مزيد من الفوضى والتفكك.
كما أن استهداف الأنعام يعد من الانتهاكات الجسيمة التي تمس حياة السكان بشكل مباشر، حيث تعتمد هذه المجتمعات الريفية بشكل كبير على الزراعة وتربية الماشية في معيشتها اليومية. القضاء على الثروة الحيوانية يعني فقدان مصدر رئيسي للدخل والغذاء، مما يزيد من معاناة هؤلاء الناس في ظل ظروف معيشية صعبة بالفعل.
مستقبل الأوضاع في مالي
الوضع في مالي يزداد تعقيدًا مع مرور الوقت، خاصة مع ازدياد التدخلات الخارجية وتعدد الجهات الفاعلة في النزاع. القوات الحكومية، التي يفترض بها أن تحمي المدنيين، تتورط بشكل متزايد في أعمال عنف تستهدف السكان المحليين، مما يؤدي إلى تراجع الثقة بين الدولة والمجتمعات المحلية.
كما أن استمرار الاعتماد على مرتزقة مثل “فاغنر” يثير تساؤلات حول استقلالية القرار العسكري المالي وتأثير القوى الخارجية على سياسة البلاد. ومع غياب حلول سياسية مستدامة، يبقى المدنيون في وسط مالي هم الأكثر تضررًا، حيث يعيشون في خوف دائم من القتل أو الاعتقال أو الاختفاء.
الهجوم على قرى تولل، غانكي، جي بوقو، وندرغولي يمثل حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات التي يشهدها وسط مالي. وبينما تواصل الحكومة المالية حملاتها العسكرية ضد المتمردين، فإن حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان يجب أن تكون في صدارة أولوياتها. أما وجود مرتزقة “فاغنر” والممارسات التي يقومون بها، فهو يزيد من تعقيد الأوضاع ويعزز من حجم الكارثة الإنسانية في البلاد.