خيانة مالي المتكررة: نقض المواثيق والاتفاقيات مع أزواد
تعتبر الأزمة بين أزواد ومالي من أكثر النزاعات تعقيدًا في منطقة الساحل والصحراء منذ استقلال الدول الإفريقية في عام 1960. حيث تم دمج أزواد في مالي دون روابط ثقافية أو تاريخية، مما أثار صراعًا عسكريًا بدأ منذ عام 1963. حاولت الجزائر مرارًا وتكرارًا لعب دور الوسيط في هذه الأزمة، ولكن جهودها باءت بالفشل، ما جعلها موضع نقد، خصوصًا في سياق تكرار خرق مالي للاتفاقيات.
1. اتفاق تامنراست 1991: بداية الفشل
أول محاولات الجزائر كوسيط بارز كانت في تنظيم اتفاق تامنراست عام 1991، الذي تم التوقيع عليه بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية، مثل الحركة الشعبية لأزواد والجبهة الإسلامية العربية لأزواد. إلا أن الاتفاق لم يُنفذ كما كان مخططًا له. وبدلاً من تحقيق السلام، استأنفت الأطراف القتال بسبب رفض الجيش المالي الالتزام بالاتفاق وإنشاء ميليشيات لمهاجمة الطوارق في غاو. وبعد أن ضمنت الجزائر اعتراف الحركات الأزوادية بوحدة الأراضي المالية، لم تقم بدورها كوسيط فعّال لضمان تنفيذ الاتفاق.
2. الميثاق الوطني 1992: اتفاق آخر لم يُنفذ
بعد انتخاب ألفا عمر كوناري كأول رئيس ديمقراطي لمالي في عام 1992، تم توقيع “الميثاق الوطني” بهدف إنهاء الصراع مع الحركات الأزوادية. ورغم الاتفاق على عدة بنود، مثل الحكم الذاتي المحدود لأزواد وتخصيص ميزانية لتنمية المنطقة، لم تُنفذ معظم هذه البنود. بعض المقاتلين الأزواد الذين دُمجوا في الجيش المالي سرعان ما انشقوا بسبب سوء المعاملة وعدم تطبيق الميثاق الوطني.
3. اتفاق الجزائر 2006: تكرار الفشل
بعد هجمات 2006 من قبل المقاتلين الأزواد على مواقع عسكرية في كيدال وميناكا، دعت الجزائر إلى توقيع اتفاق سلام آخر بين مالي والحركات الأزوادية. ورغم توقيع الاتفاق الذي نص على استعادة الأمن وتنمية منطقة كيدال، لم يتم تنفيذ بنوده، مما أدى إلى تكرار العنف وعدم الاستقرار.
4. اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة 2015: استمرارية الإخفاق
بعد فشل الجيش المالي في استعادة كيدال في مايو 2014، اضطرت مالي إلى اللجوء للجزائر للضغط على الحركات الأزوادية للعودة إلى طاولة المفاوضات. وقُع اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة عام 2015 بحضور المجتمع الدولي. ومع ذلك، لم يُنفذ سوى 10% من بنود الاتفاق، مما أدى إلى تفاقم الوضع واستمرار الصراع.
5. انسحاب مالي من اتفاق الجزائر 2024: الفشل النهائي
في 31 ديسمبر 2023، أعلنت مالي استبدال اتفاق الجزائر بحوارات داخلية، ثم انسحبت بشكل نهائي من الاتفاق في 25 يناير 2024. لم تستجب الجزائر، رغم كونها الوسيط التاريخي، بما يناسب الموقف، مما أثار تساؤلات حول فاعلية دورها كوسيط في النزاع على مدار 34 عامًا.
لوم مالي على نقض الاتفاقيات
تتحمل مالي كل المسؤولية في عدم تنفيذ الاتفاقيات المتعددة، بدءًا من اتفاق تامنراست عام 1991 وصولاً إلى اتفاق الجزائر 2015. فقد ارتكبت مالي انتهاكات متكررة ضد الطوارق، سواء عبر العمليات العسكرية أو من خلال سياسات لم تُنفذ. الانقلاب العسكري في 2020 ضد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا فاقم الوضع، حيث بدأ الجيش المالي هجمات على المناطق التي يسيطر عليها الأزواد بمساعدة أطراف خارجية.
الدور الجزائري المتردد
رغم محاولات الجزائر لعب دور الوسيط، إلا أنها فشلت في ضمان تنفيذ الاتفاقيات المختلفة، مما أسهم في تأجيج الصراع. ويُعد صمت الجزائر بعد انسحاب مالي من اتفاق الجزائر 2024 مثالاً على التردد الدبلوماسي، والذي يعتبره البعض فشلاً في إدارة الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
فشلت جميع الاتفاقيات التي رعتها الجزائر في إنهاء الصراع بين أزواد ومالي، بسبب خرق مالي المتكرر لتلك الاتفاقيات وسوء نية الجانب الجزائري في فرض تنفيذها. يتطلب الوضع الراهن حلولًا جديدة ونهجًا مختلفًا لتحقيق السلام المستدام في المنطقة.