من أزواد إلى العالم: كيف حولت الانقلابات العسكرية صراعًا محليًا إلى أزمة دولية؟
منذ عقود، يعيش إقليم أزواد في شمال مالي حالة من التوتر والاضطراب، ولكن هذا النزاع لم يتحول إلى صراع مسلح مع الحكومة المالية حتى ظهور المجلس العسكري الحاكم.
تاريخياً، لم يكن الأزوادين في حالة حرب مع مالي، وإنما كانت مطالبهم تتمثل في الحصول على الحكم الذاتي منذ ستينيات القرن الماضي.
في عام 2012، أعلن “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” استقلال الإقليم، مشيرة إلى أن هذا الكيان كان موجوداً فعلياً لكن لم يتم الإعلان عنه رسمياً من قبل أي حركة أو تمرد داخل مالي.
اتفاق الجزائر ومحاولات السلام
بعد إعلان الاستقلال، دخل الطرفان في صراع داخلي مالي، ولكن هذا الصراع لم يتحول إلى حرب شاملة. تم التوصل إلى اتفاق الجزائر لوقف الأعمال العدائية بين الطرفين، ووضع أسس لسلام مستدام.
ومع ذلك، لم يلتزم النظام المالي آنذاك بتنفيذ بنود الاتفاق، مما أدى إلى بطء في التنمية وعدم تحقيق بعض النقاط الأساسية المتفق عليها. ورغم ذلك، استمر الطرفان في التفاهم لمدة ثماني سنوات حتى حدوث انقلاب عسكري في باماكو.
تدهور الأوضاع بعد الانقلاب العسكري
شهدت الأوضاع تدهوراً ملحوظاً بعد الانقلاب العسكري الذي جاء بالجنرالات إلى السلطة في مالي. ومنذ ذلك الحين، توقفت الحكومة الجديدة عن احترام بنود اتفاق الجزائر، وأبدت عدم اهتمامها بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
ومع ذلك، استمرت الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق في بذل الجهود لتنفيذه، مدركة أن المجلس العسكري لا يسعى لتحقيق السلام الدائم في مالي ولا في منطقة الساحل بشكل عام.
تصعيد الأزمة إلى نزاع إقليمي ودولي
بدلاً من الحفاظ على الصراع الداخلي داخل حدود مالي، اختار المجلس العسكري تحويله إلى نزاع ذي طابع دولي، وذلك من خلال تحالفات مع كل من بوركينا فاسو، النيجر، وروسيا التي أرسلت مرتزقة من شركة فاغنر، بالإضافة إلى الدعم العسكري من تركيا بواسطة الطائرات المسيرة.
وعلى الجانب الآخر، تسعى الحركات الأزوادية إلى كسب المزيد من الحلفاء، مثل الطوارق في النيجر وليبيا، والدول الغربية مثل فرنسا وأوكرانيا، وحتى الولايات المتحدة.
الخطر القادم: احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة
يرى المراقبون أن تحالف المجلس العسكري المالي مع كل من بوركينا فاسو والنيجر وروسيا، وتحويله لصراع داخلي إلى حرب إقليمية، قد يؤدي إلى تصاعد التوترات بشكل يهدد بإشعال حرب عالمية ثالثة. خاصة وأن هذا النزاع قد جلب أطرافاً دولية إلى الساحة، مما يعقد الأمور ويزيد من احتمالية تحولها إلى حرب شاملة.
مستقبل غامض لمنطقة الساحل
في خضم هذه التحولات، يبقى الوضع في إقليم أزواد معقداً وغامضاً. حيث يرى البعض أن تحويل الصراع إلى حرب أوسع قد يكون في صالح الشعب الأزودي، في حين يعتبر آخرون أن ذلك سيكون خسارة فادحة للمجالس العسكرية الحاكمة في الساحل.
ما هو واضح أن التوترات في المنطقة لا تزال تتصاعد، وأن الحلول السلمية أصبحت أكثر تعقيداً مما كانت عليه من قبل.
تجدر الإشارة إلى أن كل هذه التطورات تمثل تحدياً كبيراً ليس فقط لمنطقة الساحل، بل للمجتمع الدولي ككل، الذي يواجه الآن خطر امتداد الصراعات المحلية إلى نطاق أوسع وأشمل.