المفاوضات أم التصعيد العسكري: ما هو مصير مالي في ظل التحولات الجيوسياسية؟
هل ستعيد الحكومة العسكرية المالية النظر في قرارها الأحادي بإنهاء اتفاقات الجزائر واللجوء إلى الخيار العسكري الذي تعتبره أكثر فعالية؟ تشير الشائعات الأخيرة إلى احتمالية حدوث هذا التراجع، مما قد يشكل ضربة قوية لسمعة السلطات الانتقالية المالية، إذ سيُعد ذلك اعترافًا ضمنيًا بفشل استراتيجيتها القائمة على قطع العلاقات مع الجماعات المسلحة ومحاولة هزيمتهم عسكريًا.
وفقًا لمصادر موثوقة، تم التطرق لهذا الموضوع خلال زيارة رئيس الوزراء النيجري إلى الجزائر مؤخرًا، حيث أبلغت السلطات الجزائرية ضيفها، في ضوء التزاماتهم المشتركة في إطار AES مع مالي، أن اتفاق السلام الجزائري يمثل الحل الأفضل لتحقيق السلام الدائم بين الفرقاء الماليين. ولم يعد أمام الحكومة العسكرية سوى العودة إلى طاولة المفاوضات مع الإطار الإستراتيجي الدائم”CSP-PDA”، بعد أن تخلت الحكومة عنه واتهمت قادته بالإرهاب
كان من المقرر أن يزور العقيد واغي، وزير المصالحة في الحكومة المالية الانتقالية، نيامي يوم السبت 17 أغسطس لإجراء إحاطة، لكن بسبب الفيضانات الكبيرة في مالي، تأجلت زيارته إلى يوم الاثنين 19 أغسطس.
لكن الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي وبعد تجربتهم السلبية مع حكومة عسكرية تفتقر إلى الالتزام والمصداقية، لا يبدو أنه مقتنع بجدية الحكومة المالية في هذه المفاوضات رغم الضغط الجزائري المتزايد .
في نهاية المطاف، ورغم الدعوات المتكررة من مختلف الجهات للحوار بين الأطراف المتصارعة، تبدو الجزائر الوحيدة التي ما زالت تؤمن وتتمسك باتفاق السلام، لأنه يمنحها دورًا بارزًا في مالي والمنطقة بأكملها. فهل ستتغلب الطموحات الدبلوماسية الجزائرية على الحسابات العسكرية والسياسية للأطراف المعنية؟
رئيس المجلس الأعلى الإسلامي يدعوا مالي للحوار مع أزواد
تكشف التصريحات الأخيرة لمداني حيدرة، الشخصية البارزة في المجلس الإسلامي الأعلى في مالي، عن عدم فهم عميق للتحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها مالي. عندما يقترح حيدرة التفاوض مع “CSP-PDA”، فإنه يقدم حلاً ساذجاً وغير مسؤول. كان مالي جزءاً من الاتفاقيات قبل أن ينسحب منها.
هذه الاقتراحات، التي تبتعد عن أن تكون مبادرة للسلام لصالح المجلس العسكري، تبدو كمناورة تهدف لكسب الوقت وتخفيف الضغط الدولي. فالتفاوض مع الانفصاليين الذين أثبتوا عزمهم على إقامة دولة مستقلة يعتبر أمراً غير منطقي. لأنه يمثل خضوعاً لإملاءاتهم، مما يعرض وحدة مالي للخطر.
في ظل السياق الجيوسياسي الحالي، الذي يتميز بتورط روسيا واستخدام مالي لمقاتلي مجموعة فاغنر، لا يبقى أي شك حول النوايا الحقيقية للجماعات المسلحة. فالنجاحات العسكرية التي حققها الإطار الاستراتيجي الدائم”CSP-PDA” لم تؤد إلا إلى تعزيز طموحاتهم وعزمهم على مواصلة القتال. وأي تنازل يُقدَّم لهذه الجماعات سيُفسر كضعف، ويشجع أطرافاً أخرى على التمرد.
من خلال دعوته للتفاوض، لا يخدم حيدرة إلا مصالحه الخاصة وليس مصالح المجلس العسكري الذي يسعى للبقاء في السلطة عن طريق تقسيم الماليين في الجنوب وتحويل الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي يواجهها البلد. هذا الموقف ليس فقط غير مسؤول، بل يشكل خطراً على مستقبل مالي.