عدد المشاهدات: 0

بماكو : السفارة الأمريكية تحذر من اضطرابات أمنية بسبب أزمة الوقود وتحذر مواطينها من السفر داخل مالي.

أصدرت السفارة الأمريكية في باماكو تنبيهًا أمنيًا حول نقص الوقود الحاد في جميع أنحاء مالي، مشيرةً إلى وجود طوابير طويلة، وإمدادات محدودة، وانقطاعات متكررة في الكهرباء. وحذّرت السفارة من أن الوضع قد يتدهور ويؤثر على الأمن بشكل غير متوقع، داعيةً المواطنين الأمريكيين إلى تجنب السفر إلى مالي في الوقت الراهن.

مالي في قبضة أزمة وقود خانقة تحت حصار الجهاديين

تعيش مالي منذ مطلع سبتمبر 2025 واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية والأمنية في السنوات الأخيرة، في ظل حصار خانق تفرضه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على الطرق المؤدية إلى العاصمة باماكو والمدن الكبرى. هذا الحصار أدى إلى شلل شبه كامل في حركة النقل والإمداد بالوقود، وأدى إلى انقطاع واسع للكهرباء والغاز في عدد كبير من المناطق.

منذ بداية سبتمبر، تتعمّد الجماعة المسلحة استهداف القوافل التجارية التي تحمل الوقود إلى باماكو والمدن الأخرى، حيث تتكرر هجماتها على الشاحنات بالرغم من مرافقة القوات المالية لها برًّا وجوًّا. المسلحون يعمدون إلى إحراق الشاحنات وسلب حمولتها وقتل السائقين والجنود المرافقين، ما أدى إلى فقدان كميات ضخمة من الوقود الحيوي، وتوقف معظم الإمدادات القادمة من الدول المجاورة.

في الأسابيع الأخيرة، باتت صور الشاحنات المحترقة والمواكب العسكرية المدمرة مشهدًا مألوفًا على طرق الجنوب والوسط، خاصة بين سيكاسو وزيغوا قرب الحدود مع ساحل العاج. ويعتبر هذا الخط الحيوي من أبرز منافذ الإمداد التي يعتمد عليها الاقتصاد المالي.

الظلام يخيّم على المدن

أدت هذه الهجمات إلى أزمة وقود حادة انعكست مباشرة على قطاع الطاقة. انقطاعات الكهرباء باتت شبه دائمة في معظم المناطق، إذ توقفت المولدات الخاصة بسبب نفاد الوقود، ما أصاب الأنشطة الاقتصادية والخدمات العامة بالشلل.
تؤكد مصادر مدنية أن بعض المدن لم تعرف الكهرباء منذ نحو شهر كامل، بينما دخلت مدينة موبتي في عتمة تامة منذ 7 أكتوبر دون أي مؤشرات على تحسن قريب. القرى النائية في الوسط والشمال تعيش هي الأخرى في ظلام كامل، بعد أن عجزت إدارات البلديات عن تشغيل المولدات الاحتياطية.

تداعيات إنسانية واقتصادية

تسببت الأزمة في طوابير طويلة أمام محطات الوقود في باماكو وسيغو ومدن أخرى، حيث ينتظر المواطنون لساعات على أمل الحصول على كمية ضئيلة من البنزين أو الديزل. توقفت مخابز كثيرة عن العمل، وأصبحت أسطوانات غاز الطهي نادرة في الأسواق، ما زاد من معاناة السكان.
المؤشرات الاجتماعية توحي بحالة اختناق متصاعدة، إذ باتت العائلات تعتمد على الفحم والخشب في الطهي، بينما تتراجع قدرة المستشفيات والمرافق والخدمات الأساسية على العمل من دون طاقة.

الحكومة بين الارتباك والتحدي

رئيس الوزراء الانتقالي، اللواء عبد الله مايغا، وصف ما يجري بأنه “محاولة لزعزعة استقرار البلاد من خلال أسلوب جديد في الحرب”. هذا التصريح يشكل تحولًا في الخطاب الرسمي الذي كان يقلل سابقًا من خطورة استهداف الجماعة لطرق الإمداد الحيوية.
الحكومة أعلنت تشكيل لجان لإدارة الأزمات والكوارث وتعهّدت بإجراءات عاجلة لتأمين التزويد بالمحروقات، من بينها استمرار المرافقة العسكرية وتنظيم حركة القوافل. ومع ذلك، لا تبدو هذه الخطوات كافية في ظل قدرة الجماعة على تنفيذ هجماتها في عمق الطرق الدولية.

تصاعد القيود الاجتماعية

في خضم الأزمة، فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قيودًا مشددة على حرية التنقل، من بينها إجبار النساء على ارتداء الحجاب أثناء السفر على الطرق، حيث سُجّلت حالات جلد بحق من لم يلتزمن بالأمر. هذه الممارسات تعكس تمدد نفوذ الجماعة التي تفرض قوانينها الخاصة في مناطق واسعة من شمال ووسط مالي.

وسط هذا المشهد القاتم، تبدو البلاد عالقة في دائرة حصار متعددة الأوجه: حصار أمني على الطرق، وحصار اقتصادي على الوقود، وحصار اجتماعي على الحريات. وبينما تحاول الحكومة إيجاد حلول لإيصال المحروقات إلى العاصمة، يعيش ملايين الماليين على وقع أزمة وقود وكهرباء غير مسبوقة تنذر بانهيار شامل إذا لم تُرفع قبضة الحصار قريبًا.

Share this content:

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

اترك رد

قد يعجبك

error: Content is protected !!