عدد المشاهدات:
0
تحت تهديدات بقطع الرؤوس وإحراق الممتلكات من قبل الجيش المالي… المنقبين يغادرون منجم إنتهقا
غادر آلاف المنقبين المحليين والأجانب منجم إنتهاغا في إقليم غاو صباح الأحد 19 أكتوبر 2025، بعد صدور تهديدات مباشرة من الجيش المالي وميليشيات موالية له، مدعومة بعناصر من “الفيلق الإفريقي الروسي”. التهديدات التي حملت عبارات بقطع الرؤوس وحرق الممتلكات دفعت كثيرين إلى ترك مواقعهم على عجل، وسط مخاوف حقيقية من حملة قمع وشيكة.


الجيش المالي يفرض الأمر الواقع
بدأت فصول الأزمة قبل أيام، حين أصدر الجنرال مامادو ماساووليه سماكي، قائد المسرح الشرقي لعملية “دوغوكولوكو”، إنذارًا رسميًا في 14 أكتوبر وآخر في 17 أكتوبر يأمر فيه المنقبين بمغادرة المنجم “فورًا”. وأعلن أن الموقع أُسند رسميًا إلى شركة سورم مالي ش.م (SOREM)، ملوّحًا باعتبار « أي نشاط غير مرخص ابتداءً من هذا التاريخ عملاً غير قانوني يستوجب العقوبات والملاحقة».
وبرّر سماكي الخطوة بأنها تأتي في إطار “تنظيم قطاع التعدين ومكافحة الفوضى”، مؤكّدًا أن الدولة “لن تتسامح مع أي شكل من أشكال الاستغلال غير النظامي للموارد الوطنية”. لكن داخل أزواد، هذا الموقف العسكري لم يُقرأ على أنه إجراء تنظيمي بقدر ما اعتُبر هجومًا جديدًا على أحد أهم مصادر الدخل للسكّان المحليين، وتجسيدًا لما يسميه الأزواديون “الاستعمار الداخلي”.
موقف جبهة تحرير أزواد: “نهب منظم” باسم الدولة
ردّ جبهة تحرير أزواد جاء صارمًا وسريعًا. ففي بيان صدر يوم 15 أكتوبر، وصفت القرار المالي بأنه “غير قانوني وغير شرعي”، معتبرة أن منجم إنتهاغا يُنهب لصالح المجلس العسكري وشركائه الروس. واعتبرت الجبهة أنّ منح الشركة المالية حق استغلال المنجم “امتداد لسياسة السلب الممنهج لثروات أزواد”، مؤكدة أن ثروات الإقليم “ملك لشعب أزواد وحده”.
كما حذّرت الجبهة الشركات الأجنبية من العمل في المنطقة بموجب تراخيص صادرة من باماكو، محمّلة إيّاها كامل المسؤولية عن العواقب. البيان ختم برسالة قوية: “سندافع بكل الوسائل المشروعة عن مواردنا وثرواتنا ضد كل أشكال النهب الاقتصادي”.
منجم إنتهاقا: مركز ثروة ونزاع
يُعتبر منجم إنتهاقا واحدًا من أبرز مواقع الذهب في أزواد. اكتُشف بين عامي 2020 و2021 على يد منقبين محليين، وسرعان ما جذب الآلاف من الباحثين عن الذهب من مالي والدول المجاورة. خلال ذروة نشاطه، كان بعض العمال يجنون عشرات الآلاف من الدولارات شهريًا بسبب ارتفاع الأسعار العالمية.
لكن هذا الازدهار الاقتصادي تحول تدريجيًا إلى بؤرة صراع مسلح. فبعد انسحاب القوات الأزوادية التي كانت تؤمّن المنطقة، تناوبت جماعات نصرة الإسلام والمسلمين وميليشيات موالية للجنرال الهجي غامو على السيطرة على المنجم، جاعلين منه مصدر تمويل رئيسي لأنشطتهم. لاحقًا، تدخّلت قوات فاغنر الروسية في عام 2024، لتفرض واقعًا جديدًا بالقوة الجوية، قبل أن تتوصّل إلى تفاهم غير معلن مع الأطراف الموالية لباماكو حول إدارة الموقع.
خلفيات اقتصادية وسياسية
يرى مراقبون أن قرار الحكومة المالية بإسناد المنجم إلى شركة سورم مالي، لا ينفصل عن الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها باماكو وتمويل عملياتها العسكرية. وتشير مصادر محلية إلى أن العائدات من الذهب تمثل اليوم أحد الموارد الحيوية لتمويل الوجود الروسي في المنطقة. هذا الواقع يجعل منجم إنتهاقا ليس مجرد مورد طبيعي، بل رافعة مالية واستراتيجية في قلب الصراع بين باماكو وجبهة تحرير أزواد.
تداعيات إنسانية متفاقمة
عمليات الإخلاء القسري التي انطلقت خلال الأيام الماضية تهدد بحدوث نزوح جماعي في أوساط الآلاف من المنقبين الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد. وتشير تقارير محلية إلى أن قوافل من العمال بدأت التوجه نحو غاو وميناكا وحتى النيجر، وسط انعدام الخدمات والأمن.
الذهب مرآة للصراع على السيادة
أزمة منجم إنتهاقا تتجاوز حدود منجم أو مورد بعينه. إنها أزمة هوية وسلطة، تعبّر عن صراع بين رؤية باماكو لمفهوم “الدولة المركزية” ورؤية الأزواديين لحقهم في تقرير مصيرهم الاقتصادي والسياسي. وبين من يعتبر المناجم “ثروة وطنية” ومن يراها “ميراثًا مسلوبًا”، يبقى الذهب عنوانًا لمعركة مفتوحة لا تزال تشتعل تحت الرمال.
Share this content:
اترك رد