عدد المشاهدات:
30
مالي بين دعاء الأئمة وحصار الجهاديين
منذ مطلع سبتمبر 2025، تعيش مالي واحدة من أعقد أزماتها منذ الاستقلال. فالهجمات المتصاعدة التي نفذتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أدت إلى خنق العاصمة بماكو، بعد أن أحكمت الجماعة السيطرة على المحاور المؤدية إليها وأعلنت حظر الوقود الداخل من الدول المجاورة: موريتانيا، السنغال، ساحل العاج، وغينيا. وقد تسبّب ذلك في أزمة وقود خانقة شلّت الحركة في معظم المناطق، وأدخلت البلاد في ظلام دامس بعد انقطاع الكهرباء لأيام طويلة في مدن مثل بلا ونيورو.
العاصمة بماكو لم تنجُ إلا مؤقتًا من الانهيار الكامل بفضل شاحنات وقود قادمة من ساحل العاج، لكنها كانت أشبه بجرعة إسعاف قصيرة لم تُغيّر من واقع الأزمة. في الوقت نفسه، تراجعت القوات الحكومية إلى ثكناتها في المدن الكبرى مكتفية بالدفاع المحدود، بينما بسطت الجماعة نفوذها الفعلي على معظم أنحاء البلاد، ما جعل سكان مالي يعيشون وضعًا غير مسبوق من الخوف وانعدام الأمن.
في خضم هذا الانهيار الأمني والمعيشي، أصدر المجلس الأعلى الإسلامي في مالي بيانًا مشتركًا مع رابطة الأئمة والعلماء (ليماما) يوم الجمعة 17 أكتوبر 2025م (23 ربيع الثاني 1447هـ)، جاء بعنوان روحي ومعنوي حمل نداءً رسميًا لكل أبناء مالي، ودعا إلى الصبر ووحدة الصف واللجوء إلى الله في مواجهة هذه المحنة. كما وجّه البيان جميع الأئمة إلى القنوت من أجل أمن الوطن واستقراره خلال صلوات الفجر وسائر الصلوات الجهرية إلى حين صدور توجيه جديد. وشدّد أيضًا على ضرورة أن تكون خطب الجمعة القادمة موجهة نحو تعزيز الاستقرار واللحمة الوطنية.
البيان، الذي تلاه ممثلو المجلس في بماكو، حذّر من تفاقم الانقسام وتآكل مؤسسات الدولة، مؤكدًا أن الإصلاح يبدأ من وحدة المجتمع وإيمانه بعدالة قضيته، لا من البنادق وحدها. ويعكس هذا الموقف إدراك المؤسسة الدينية لحجم المخاطر التي تواجه البلاد، ومحاولة منها لإعادة التوازن بين منطق القوة ومنطق الدعاء.
Share this content:
اترك رد