عدد المشاهدات: 95

غاو : الجيش المالي يأمر المنقبيين بإخلاء منجم إنتهقا ” فوراً “

تشهد منطقة إنتهاغا في غاو توترًا غير مسبوق، بعد أن أصدر قائد المسرح الشرقي لعملية دوغوكولوكو في الجيش المالي اليوم الجمعة إنذارًا شديد اللهجة إلى المنقبين العاملين في منجم الذهب، مطالبًا إياهم بمغادرة الموقع “فورًا“.
وأكد القائد العسكري أن المنجم قد تم “إسناده رسميًا” إلى شركة سورم مالي ش.م (SOREM)، مشيرًا إلى أن أي وجود غير مرخص بدءًا من اليوم سيُعتبر “نشاطًا غير قانوني يُعرّض أصحابه للعقوبات والملاحقة”.

التحذير الذي أُعلن من غاو يأتي ضمن سلسلة إجراءات ميدانية تهدف، بحسب باماكو، إلى “فرض النظام في قطاع التعدين” بعد موجة توسّع غير مسبوقة في الأنشطة العشوائية للمنقبين المحليين والأجانب. غير أن الخطوة فجّرت غضب جبهة تحرير أزواد التي اعتبرتها قرارًا “غير شرعي” يمثل عملية “نهب جديدة” لثروات الإقليم لصالح النظام العسكري وحلفائه الروس.

موقف جبهة تحرير أزواد

في بيان شديد اللهجة صدر  بتاريخ 15 أكتوبر 2025، رفضت جبهة تحرير أزواد “بأشد العبارات” ما وصفته بـ”القرار غير القانوني” الصادر عن الطغمة العسكرية في باماكو، والقاضي بمنح شركة سورم مالي ش.م حق استغلال منجم إنتهاغا.
ورأت الجبهة أن ما يحدث هو امتداد لسياسة النهب المنظم لثروات أزواد المستمرة منذ سنوات دون أي سند شرعي أو تفويض من الشعب الأزوادي.

وأضاف البيان أن أي شركة أو جهة أجنبية تنخرط في نشاط اقتصادي أو تعديني على أرض أزواد “استنادًا إلى تراخيص صادرة عن النظام المالي القمعي” ستتحمل المسؤولية الكاملة عن تبعات أفعالها.
وأكدت الجبهة أن ثروات أزواد ملك خاص لشعب أزواد ولن تُستغل إلاّ وفق اتفاق عادل ومنصف يكون فيه الأزواديون أصحاب القرار والمستفيدين الرئيسيين، بعد زوال النظام “الإرهابي” في باماكو.
كما شددت على أن الجبهة “ستدافع بكل الوسائل المشروعة عن ثروات الإقليم وحقوق شعبه الحيوية” ضد كل أشكال النهب أو التعاون الاقتصادي مع المجلس العسكري.

التحذير المالي وتبرير الموقف العسكري

في 14 أكتوبر 2025، عقد الجنرال مامادو ماساووليه سماكي قائد المسرح الشرقي لعملية “دوغوكولوكو” مؤتمرًا صحفيًا في معسكر فيرهون أغ ألينسار بغاو، أعلن فيه إجراءات جديدة صارمة لتنظيم الأنشطة التعدينية في منطقة إنتهقاائرة ن تيليت).
وأوضح الجنرال أن جميع عمليات التعدين غير المرخصة أصبحت “ممنوعة بشكل تام”، ومنح العاملين في التنقيب حتى 22 أكتوبر لتسوية أوضاعهم القانونية لدى السلطات المختصة.

وقال سماكي نصًا:

“الدولة لن تتسامح مع الفوضى المحيطة باستغلال مواردها، فالتعدين غير الشرعي يهدد الأمن والبيئة وسبل عيش مجتمعاتنا.”
وأضاف أن “من واجب الجميع التحلي بالمسؤولية لضمان استغلال منظم ومستدام للثروات الوطنية”، محذرًا من أن المخالفين سيواجهون عقوبات قاسية تشمل المصادرة والملاحقات القضائية.

منجم إنتهاغا… جوهر الصراع الاقتصادي والسياسي

يعد منجم إنتهاغا أحد أهم مواقع استخراج الذهب في أزواد ، حيث اكتُشف سنة 2020-2021 على يد منقبين محليين في غاو، قبل أن يتحول إلى وجهة إقليمية للباحثين عن الذهب من السودان وتشاد والنيجر ونيجيريا.
وقد عرف الموقع طفرة في الإنتاج، إذ كان بعض المنقبين يجنون عشرات الآلاف من الدولارات شهريًا بفضل ارتفاع أسعار الذهب عالميًا.

خلال الأعوام 2022-2023، تولى “الإطار الاستراتيجي الدائم” الذي يضم عدة حركات أزوادية حماية الموقع، غير أن انهيار اتفاق وقف إطلاق النار مع باماكو أدى إلى انسحاب قواته، ليتقاسم السيطرة على المنجم لاحقًا مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وميليشيات موالية للمجلس العسكري تابعة للجنرال الهجي غامو.
وفي أبريل 2024، تدخلت قوة فاغنر الروسية جوًا وتطالب غاتيا بمغادرة المنجم في فترة اقصاها 24 ساعة ، ما أثار خلافات حادة داخل معسكر المجلس العسكري. وبعد تسوية الأزمة، استقر الوضع على إدارة مشتركة بين غاتيا وجماعة النصرة، تفرض من خلالها ضرائب ورسوم على المنقبين المحليين.

الجبهة: المنجم أداة لتمويل المرتزقة الروس

تقول أوساط أزوادية إن قرار باماكو بإسناد المنجم لشركة سورم مالي ش.م يخفي هدفًا آخر غير المعلن، يتمثل في تأمين موارد مالية لمرتزقة فاغنر/ الفيلق الإفريقي دون عبء مباشر على خزينة الدولة، بعد تزايد تكاليف عملياتهم العسكرية.
وترى الجبهة أن هذا الإجراء يمثل “بيعًا صريحًا لثروات أزواد في سوق التدخلات الأجنبية”، وأنه خطوة تحمل خطر إشعال مواجهة جديدة في الشمال، خاصة مع رفض آلاف المنقبين مغادرة مواقعهم.

تداعيات إنسانية وأمنية وشيكة

من المتوقع أن يؤدي الإنذار العسكري الجديد إلى نزوح جماعي للمنقبين الذين قدّر عددهم بالآلاف من داخل أزواد وخارجه.
وقد حذر مراقبون من أن عملية الإخلاء القسري قد تتسبب في صدامات عنيفة، خصوصًا مع تهديد بعض المجموعات بالبقاء في مواقعها والدفاع عن مصادر رزقها.
كما يخشى المراقبون أن يؤدي إغلاق المنجم إلى زيادة البطالة وتدهور الوضع الأمني وعودة أنشطة التهريب وقطع الطرق والجريمة المنظمة في المنطقة.

الذهب بين السيادة والاستغلال

يرى مراقبون أن معركة إنتهاقا تمثل أكثر من صراع على مورد طبيعي؛ إنها معركة على السلطة والسيادة في أزواد.
فمن جهة، تصر باماكو على أن « الدولة وحدها تملك الشرعية لإدارة الموارد الوطنية» ، ومن جهة أخرى، تؤكد جبهة تحرير أزواد أن الثروة لا تنفصل عن الهوية والسيادة المحلية.
وبين اتهامات النهب ومحاولات التنظيم، يبقى منجم إنتهاقا عنوانًا لصراع طويل يتجاوز حدود الجغرافيا… صراع على من يملك القرار فوق أرض الذهب.

Share this content:

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

اترك رد

قد يعجبك

error: Content is protected !!