عدد المشاهدات:
144
اشتداد المواجهة بين النصرة وتنظيم الدولة في غاوا: ماذا يحدث في عمق الصحراء؟
في تصعيد جديد ضمن الصراع المسلح الدائر بين التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل الإفريقي، أعلنت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (فرع القاعدة في المنطقة) أنها صدت هجومًا لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي تصفه بـ”الخوارج”، وذلك في منطقة “إنتيليت” الواقعة ضمن دائرة غاوا في إقليم أزواد. ويأتي هذا الاشتباك بعد يومين فقط من مواجهات عنيفة جرت في منطقة “واد بانبوفا” داخل أراضي بوركينا فاسو، ما يعكس انتقال المعركة مجددًا إلى قلب المناطق الحدودية بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
السياق الجغرافي والأمني
منطقة غاوا، وبالأخص “إنتيليت”، تُعد واحدة من أبرز البؤر الساخنة في إقليم أزواد، نظرًا لموقعها الاستراتيجي القريب من مناطق عبور وتهريب السلاح والبشر، إلى جانب كونها ميدانًا مفتوحًا للحرب بين التنظيمات المسلحة، ولغياب سلطة الدولة بشكل شبه تام.
تشهد هذه المنطقة، منذ سنوات، مواجهات ثلاثية الأطراف:
- بين التنظيمات الجهادية نفسها (القاعدة vs داعش)
- وبين هذه التنظيمات وجيوش الدول المعنية (مالي، بوركينا فاسو، النيجر)
- ومؤخرًا، مع ميليشيات الدفاع الذاتي المحلية، المدعومة أحيانًا من الحكومات المركزية أو من جهات خارجية.
الصراع بين النصرة وتنظيم الدولة: صراع دموي وخفي
رغم أن الصراع بين “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” ليس جديدًا، إلا أن وتيرته شهدت تصاعدًا ملحوظًا منذ عام 2020. وعلى عكس العمليات الموجهة ضد الجيوش الوطنية، نادرًا ما تُسلّط الأضواء على هذه المواجهات، لا من الإعلام الدولي، ولا من البيانات الرسمية الصادرة عن التنظيمات، وخصوصًا تنظيم الدولة، الذي يتحفظ كثيرًا على نشر تفاصيل معاركه مع القاعدة.
لكن الجماعات التابعة للقاعدة، وعلى رأسها “جماعة نصرة الإسلام”، بدأت مؤخّرًا تكسر هذا الصمت، فنشرت عدة بيانات تؤكد فيها صدّها لهجمات من تنظيم الدولة في أكثر من منطقة، وتتهم فيها خصومها بتكفير المسلمين وقتل الأبرياء وممارسة الغدر.
بيانها الأخير حول ما جرى في “إنتيليت” يعكس حجم الخطر الذي تمثله هذه الجبهة المفتوحة، وحجم الموارد والتخطيط الذي باتت تستهلكه هذه المعارك البينية، بعيدًا عن “العدو المشترك” المفترض، وهو الدولة المركزية أو القوى الغربية التي انسحبت بشكل كبير من المنطقة.
انعكاسات هذا الصراع على الوضع الأمني في مالي
القتال بين القاعدة وتنظيم الدولة، وإن بدا للوهلة الأولى مفيدًا من حيث أنه يضعف الطرفين، إلا أنه في الحقيقة يساهم في:
- تعقيد المشهد الأمني.
- إطالة أمد الفوضى.
- خلق فراغات أمنية تسمح بتمدد جماعات جديدة أو عودة مقاتلين قدامى.
- زيادة معاناة المدنيين، الذين غالبًا ما يُجبرون على الفرار أو الوقوع ضحايا للصراع.
كما أن ضعف التغطية الإعلامية لهذه المواجهات، خاصة من طرف تنظيم الدولة، يجعل من الصعب بناء صورة دقيقة لما يحدث، ويُبقي كثيرًا من الحقائق حبيسة الصحاري والمناطق النائية التي لا تصلها الكاميرات ولا وكالات الأنباء.
خاتمة
مجدداً، تثبت منطقة الساحل أنها لم تعد ساحة لحرب بين الدولة والتنظيمات الجهادية فحسب، بل أصبحت ميدانًا مفتوحًا لصراع داخلي شرس بين هذه التنظيمات نفسها. ومع تصاعد المواجهات بين “النصرة” وتنظيم الدولة في مناطق مثل غاوا و”إنتيليت”، يبدو أن الحرب ستستمر لفترة أطول، وستدفع المنطقة ثمنًا باهظًا من استقرارها ومستقبلها.
ما يجري الآن ليس مجرد صراع على النفوذ، بل هو عنوان لفشل الأمن الإقليمي والدولي، ولتحوّل الساحل والصحراء إلى ساحة حرب لا نهاية قريبة لها.
Share this content:
اترك رد