عدد المشاهدات:
200
بالتوثيق المرئي: بيان ثالث يكشف تفاصيل كمين بير.. الفيلق الروسي يتلقى ضربة قاصمة في تمبكتو
● تمهيد:
في سلسلة متواصلة من الهجمات النوعية التي استهدفت القوات الأجنبية في مالي، شهدت ضواحي مدينة بير شمالي ولاية تمبكتو كمينًا قاتلًا مساء الثلاثاء الماضي، 1 يوليو 2025، خلّف عشرات القتلى والجرحى في صفوف الفيلق الروسي، المعروف محليًا باسم “فاغنر” أو “الفيلق الإفريقي”، الذي يتولى مهامًا قتالية إلى جانب الجيش المالي منذ انسحاب القوات الفرنسية.
● تفاصيل الكمين:
حسب المعطيات الميدانية، فإن الكمين وقع في منطقة أغ انلهي، وهي منطقة صحراوية وعرة التضاريس تقع شمال شرق مدينة بير، وتُعد نقطة استراتيجية للربط بين الشمال الصحراوي العميق والمناطق الحضرية في تمبكتو.
بحسب مصادر محلية وأخرى متابعة للنشاط المسلح في المنطقة، فإن الهجوم استهدف رتلاً مشتركًا للفيلق الروسي والقوات المالية، وقد تم التخطيط له بعناية بالغة، إذ بدأ بتفجير عبوات ناسفة على الطريق الترابي، تلاها هجوم بالأسلحة الرشاشة وقذائف RPG، ما تسبب بسقوط عدد كبير من القتلى، معظمهم من عناصر الفيلق الروسي، فيما لم تُعرف بعد الحصيلة الدقيقة للجنود الماليين المتأثرين بالهجوم.
● السياق العسكري: ثلاثة بيانات في ثلاثة مواقع
الكمين في بير هو الهجوم الثالث خلال أيام، بعد بيانين سابقين أكدا استهداف مواقع في نيونو وسط مالي، وكاي غربها، مما يشير إلى اتساع رقعة النشاط الجهادي وتنوع الجبهات، وهو تطور لافت يُظهر تنسيقًا عملياتيًا عالياً، وقدرة متزايدة على ضرب القوات النظامية والمتحالفة معها في مناطق غير متوقعة.
● رمزية المكان: لماذا “بير”؟
مدينة بير ليست فقط نقطة عبور عسكري واستراتيجي شمال تمبكتو، بل تحمل أهمية رمزية للجماعات المسلحة، نظرًا لقربها من مناطق نفوذ سابقة في عهد “إمارة تمبكتو” التي أعلنتها جماعات مرتبطة بالقاعدة بين 2012 و2013. الكمين في هذه المنطقة رسالة قوية بأن التنظيمات لم تُستأصل من جذورها رغم سنوات من العمليات.
● من يقف خلف الكمين؟
رغم عدم صدور تبنٍ رسمي حتى لحظة كتابة هذا التقرير، إلا أن طبيعة الهجوم والأسلوب المستخدم يشير بوضوح إلى ضلوع جماعات مرتبطة بـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، فرع القاعدة في الساحل، التي كثفت من نشاطها مؤخرًا في شمال مالي.
الجماعة اعتمدت في الأشهر الماضية استراتيجية الاستنزاف عبر الكمائن والعبوات الناسفة، خصوصًا ضد التحركات الروسية، التي باتت تُعتبر الهدف الأول بعد تزايد تورطها في المواجهات المباشرة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة، إضافة إلى ما يُتهم به الفيلق الروسي من تجاوزات وانتهاكات ضد المدنيين في المناطق الشمالية، خصوصًا من قبائل العرب والطوارق والفلان.
● حجم الخسائر:
رغم تكتم السلطات الرسمية المالية والروسية على تفاصيل الخسائر، فإن المعلومات المتقاطعة من مصادر محلية تتحدث عن سقوط ما لا يقل عن 25 إلى 30 قتيلاً من القوات الروسية، إضافة إلى إصابة عدد غير معروف، وقد شوهدت مروحيات نقل تهبط وتقلع من محيط بير طوال مساء الثلاثاء وحتى صباح الأربعاء، في مؤشر على ضخامة العملية.
● ردود الفعل:
- الجيش المالي التزم الصمت، ولم يصدر بيانًا رسميًا حول الحادث، فيما اكتفى بعض الناشطين المقربين من الحكومة بنشر تعليقات تشير إلى “تصعيد إرهابي مدعوم من جهات خارجية”.
- وسائل إعلام محلية تناولت الخبر بتحفظ، فيما انتشرت على شبكات التواصل صور وأخبار غير مؤكدة حول تدمير عربات مدرعة وأشلاء جنود، ما أثار موجة استياء وتساؤلات في الأوساط المحلية.
- روسيا، من جهتها، لم تُصدر بيانًا رسميًا، وهو ما يعكس نمطها المعتاد في التعامل مع الخسائر في إفريقيا، لكن تحركاتها في تمبكتو خلال الأيام المقبلة ستعكس على الأرجح حجم الضرر الذي تكبدته.
● الدلالة العسكرية:
الهجوم يُظهر تحوّل الجماعات المسلحة من مرحلة الدفاع والتخفي إلى مرحلة المبادرة الهجومية المكثفة والمنسقة، معتمدةً على نقاط ضعف انتشار الفيلق الروسي، وضعف التنسيق الاستخباراتي، خاصة في المناطق الشمالية.
● هل يعود الشمال إلى عهد ما قبل 2013؟
هذا الكمين، وغيره من الهجمات، يعيد طرح السؤال الصعب: هل نحن أمام عودة فعلية للجماعات المسلحة إلى مناطق نفوذها التقليدية في الشمال؟ وهل فشلت الاستراتيجية الروسية في تثبيت الأمن؟
مع تزايد النقمة الشعبية في الشمال على ممارسات الجيش والفيلق الروسي، وسقوط المزيد من القتلى المدنيين في العمليات الانتقامية، يبدو أن البيئة الحاضنة لعودة التنظيمات المسلحة أصبحت أكثر خصوبة من أي وقت مضى.
خلاصة:
يمثل كمين “أغ انلهي” في ضواحي بير تطورًا نوعيًا في المشهد الأمني في مالي، حيث باتت الهجمات أكثر جرأةً وتنظيمًا، وأكثر استهدافًا للفيلق الروسي تحديدًا، مما ينذر بمرحلة جديدة من الصراع أكثر دموية وتعقيدًا. وإذا استمر هذا النهج التصعيدي، فقد تشهد مالي خلال الشهور القادمة تغيرات ميدانية عميقة تعيد تشكيل خريطة السيطرة والنفوذ.
Share this content:
اترك رد