عدد المشاهدات: 356

الفلان يعودون بالسلاح: كتائب ماسينا تُشعل الحدود وتحلم بإحياء إمبراطوريتهم القديمة!

في ليلة 1 يوليو 2025، شهد الشريط الحدودي بين مالي وموريتانيا تصعيدًا عسكريًا لافتًا، حيث شنت كتائب ماسينا التابعة لتحالف “نصرة الإسلام والمسلمين” عدة هجمات متزامنة استهدفت أكثر من عشرة مواقع مالية، من أبرزها غوغي، ساندري، ديولي، نيونو، نيور، وكايس. هذه العملية، التي اعتُبرت الأكبر من نوعها منذ شهور، أعادت إلى الواجهة السؤال الجوهري:
هل تمثل كتائب ماسينا مجرد ذراع من أذرع القاعدة، أم أنها تحمل مشروعًا قوميًا فولانيًا أعمق تحت غطاء “الجهاد”؟

❖ العودة إلى جذور ماسينا: من الإمبراطورية إلى الحركة المسلحة

يُعتبر اسم “ماسينا” ذا دلالة رمزية عميقة. ففي مطلع القرن التاسع عشر، أنشأ أحمدو لوبو إمبراطورية إسلامية فولانية في دلتا النيجر الداخلية، مركزها هامد الله، وامتدت إلى مناطق شاسعة من وسط مالي. حكمت هذه الإمبراطورية باسم الشريعة، وكانت بمثابة تجربة حكم إسلامي فولاني تركت أثرًا قويًا في الوعي الجمعي للفلان حتى اليوم.

في عام 2015، أعاد مامادو كوفا إحياء هذا الإرث التاريخي من خلال تأسيس “حركة تحرير ماسينا”، لتصبح فيما بعد الجناح الفولاني لتنظيم القاعدة في بلاد الساحل. وبهذا الشكل، تحولت “ماسينا” من رمز تاريخي إلى مشروع عسكري مسلح يحمل طموحات الهوية والانتقام والثأر القومي.

❖ هجمات 1 يوليو: أوسع انتشار جغرافي في يوم واحد

وفقًا لبيانات الجيش المالي، تعرّضت ثكنات ومواقع أمنية وعسكرية لهجمات منسقة في مناطق:

  • نيونو، نيور، ديولي، ساندري، غوغي، كايس، ديبولي، مولودو
  • وكان أبرزها الهجوم على غوغي، وهي البوابة الحدودية الرئيسية نحو موريتانيا، ما اعتُبر رسالة جيوسياسية واضحة.

وبحسب روايات محلية ومصادر ميدانية، فقد تكبد الجيش المالي خسائر فادحة في بعض المحاور مثل غوغي وديولي وساندري، رغم أن الحكومة أعلنت عن مقتل أكثر من 80 “إرهابيًا”.

دلالات هذه الهجمات:

  1. القدرة على التنسيق والضرب في وقت واحد تؤكد تطورًا استخباراتيًا وعسكريًا لدى كتائب ماسينا.
  2. اختيار المواقع يكشف اهتمامًا بمحاور الإمداد، والحدود مع موريتانيا، التي يُحتمل أن تكون ممرًا لوجستيًا حيويًا.
  3. إبراز القوة بعد سلسلة ضربات تعرضت لها الجماعة في الشهور الأخيرة، خاصة مع عودة نشاط فاغنر والمليشيات المحلية.

❖ الروايتان المتصارعتان: أيّ حقيقة نصدق؟

✦ رواية الجيش المالي:

  • تحدثت عن مجزرة في صفوف المهاجمين، وغنائم كثيرة من أسلحة ومعدات.
  • ولكنها لم تتطرق إلى الخسائر في صفوف المدنيين، ولم تقدم أدلة مستقلة تؤكد عدد “الإرهابيين” المقتولين.
  • وفي مرات سابقة (مثل هجوم تمبكتو في 2 يونيو 2025) ثبت أن الجيش أدرج قتلى مدنيين ضمن حصيلة “الإرهابيين”، مما يُضعف مصداقيته.

✦ رواية الجماعة:

  • لم تنشر بيانًا مفصلًا بعد، لكن ذراعها الإعلامي “الزلاقة” عرض صورًا لـ”غنائم من نيور”، رغم أن الهجوم هناك كان فاشلًا بحسب عدة مصادر.
  • الجماعة لم تخف خسائرها في بعض المحاور، لكن بَقِيَت متمسكة برواية “الانتصار الاستراتيجي”.

❖ كتائب ماسينا: هل نحن أمام “فولانية ثائرة” أم “جهادية متشددة”؟

رغم رفعها لشعار تنظيم القاعدة، فإن المعطيات الميدانية والاجتماعية تشير إلى أن كتائب ماسينا:

  1. تتكوّن أساسًا من مقاتلين فولانيين، خاصة من مالي وغينيا والسنغال.
  2. تتمدد داخل الأوساط الفولانية المهمشة، خاصة في الوسط المالي، حيث تتمتع بحاضنة شعبية نسبية.
  3. تُجند آلاف الشبان بدعوى “حماية الفلان” من الجيش ومليشيات الدوغون، وتُضفي على خطابها بُعدًا قوميًّا ولو بشكل غير مباشر.
  4. مأساة قرى الفلان التي استهدفتها فاغنر (2023–2024) ساهمت في جذب آلاف المقاتلين إلى صفوفها، بحسب تقديرات داخلية من الحركة نفسها.

مامادو كوفا، في أحد تصريحاته النادرة، وصف ضربات فاغنر ضد الفلان بأنها “ضارة نافعة”، لأنها زادت من تجنيد الشباب في صفوف ماسينا.

✦ وفي السياق، يمكن القول إن “العباءة الجهادية” تخفي تحتها مشروعًا فولانيًا يسعى إلى إعادة الاعتبار لهوية قومية دينية طُمست لعقود.

❖ التهديد الجيوسياسي لتحالف الساحل

تُعتبر كتائب ماسينا اليوم العمود الفقري لتحالف “نصرة الإسلام والمسلمين”، وتتمتع بعدة نقاط قوة:

  • مخزون بشري كبير (ما يقرب من 5000 مقاتل جُدد من حوض السنغال).
  • قدرة ميدانية على ضرب عدة جبهات في وقت واحد.
  • خبرة واسعة في حرب العصابات والتخفي في الأوساط المحلية.

هذا ما يجعلها تهديدًا حقيقيًا لتحالف الساحل (مالي – بوركينا – النيجر)، خاصة مع ضعف الجيوش النظامية وانعدام الثقة بينها وبين السكان.

❖ الخاتمة: من هو العدو الحقيقي؟

الخطاب الرسمي في مالي يتعامل مع كتائب ماسينا باعتبارها “مجموعة إرهابية”، لكنها في الحقيقة تمثل تمردًا مركبًا يجمع بين:

  • جهاد أيديولوجي مرتبط بالقاعدة.
  • وغضب شعبي فولاني يتغذى على التهميش والتمييز والمجازر.

ومن دون الاعتراف بهذه الحقيقة المركبة، ستظل الحرب دائرة إلى ما لا نهاية، وسيتواصل انضمام المزيد من الشباب إلى ماسينا، لا حبًّا في القاعدة، بل بحثًا عن كرامة مهدورة، أو وطن ضائع اسمه إمبراطورية ماسينا.

Share this content:

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

قد يعجبك

error: Content is protected !!