عدد المشاهدات:
182
من قاطع طريق إلى جندي في الجيش المالي: أوبيل وتحوّلات المشهد الأمني في أنسونغو
لم يكن أحد يتصور أن الرجل الذي كانت شهرته ترتبط لعقد كامل بالقتل وقطع الطريق وسرقة المدنيين، سيعود ليظهر على الساحة مجدداً ولكن هذه المرة بوجه رسمي داخل الجيش المالي. إنه أوبيل، الاسم الذي ارتبط لعشر سنوات بالاضطراب الأمني في أنسونغو، والذي عاد مؤخراً للواجهة بعد أنباء مثيرة للجدل عن انضمامه إلى صفوف الجيش المالي، في خطوة تعيد طرح أسئلة عميقة حول سياسات الدولة المالية تجاه المقاتلين السابقين والمطلوبين للعدالة.
بداية من الظل
في عام 2012، حين سيطرت الحركة الوطنية لتحرير أزواد على شمال مالي، كان أوبيل مجرد زعيم عصابة محلية تنشط في أنسونغو. حاول استغلال الفوضى للانضمام إلى صفوف الحركة، إلا أن سلوكه الخارج عن القانون سرعان ما أدى إلى طرده. لكن طموحه في التموقع ضمن قوى النفوذ لم يتوقف، فسرعان ما التحق بالجماعات الجهادية التي بسطت سيطرتها على الإقليم أواخر نفس العام، وواصل عملياته اللصوصية تحت غطائها.
تنقل بين الولاءات
بعد التدخل الفرنسي وطرد الجماعات الجهادية من المدن، بدأ أوبيل رحلة جديدة في البحث عن ملاذ. في 2014، وجد ضالته في حركة غاتيا ، وانضم إليها مشاركاً في معاركها ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد، خاصة في منطقة تيسي. ومع تراجع نفوذ غاتيا في المنطقة، غير وجهته مجدداً نحو حركة غانديزو المتهمة بتوجهات عنصرية، والتي وفرت له حماية أثناء مواصلة أنشطته الإجرامية، خاصة عمليات قطع الطريق بين أنسونغو ولبزنغا.
الصعود في صفوف “داعش”
في 2018، أعلن أوبيل ولاءه لما يُعرف بـ”الدولة الإسلامية” في الصحراء الكبرى، حيث سرعان ما أصبح شخصية نافذة فيها، مستفيداً من هيكلها المرن القائم على العنف والتجنيد العشوائي. سرعان ما تولى قيادة منطقة أنسونغو، وجعل من الهجمات على المدنيين، والنهب، والاختطاف، أدوات يومية لترسيخ حضوره. غير أن ممارساته أدت إلى تذمر داخلي، ومع مرور الوقت أصبح محاصراً بمعارضة متنامية داخل التنظيم، حتى أُزيح عن موقعه القيادي، ووُضع تحت مراقبة مشددة.
لعبة الموت والظهور من جديد
في 9 يونيو 2025، تناقلت وسائل إعلام مالية أخباراً عن مقتله على يد رفاقه في تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن مصادر محلية سرعان ما نفت الخبر. وفي 28 يونيو، عادت الأنباء لتشير إلى أن أوبيل سلّم نفسه للسلطات مع عشرة من رفاقه. غير أن تحقيقات صحفية أجرتها منصة صوت الحق كشفت أن أوبيل لم يسلّم نفسه فعلياً، بل انتقل إلى صفوف الجيش المالي، بعد طرده من تنظيم داعش، في صفقة غير معلنة بينه وبين جهات رسمية.
المصادر ذاتها أفادت أن أوبيل ورفاقه – وبينهم أسماء معروفة مثل أداما موسى، سليمان البوشاتي، عبد الله إبراهيم، أمادو بروهيمي وغيرهم – قد نُقلوا إلى انسغو بعد ان سلموا أنفسهم علناً في منطقة للهوي لزيادة الدعاية المالية ، وسيبدؤون العمل تحت مظلة الدولة، ولكن بدون مساءلة عن ماضيهم.
تساؤلات مشروعة
التحاق أوبيل بالجيش المالي يطرح تساؤلات شائكة حول سياسة الدولة في التعامل مع من ارتكبوا جرائم جسيمة بحق المدنيين، وهل أصبحت الدولة مستعدة لتقاسم السلطة – وربما حتى الغنائم – مع من كانوا يوماً يُصنفون إرهابيين ولصوصاً؟
هل هو تكتيك أمني من أجل احتواء العناصر المسلحة، أم انزلاق خطير نحو شرعنة العنف المنفلت؟
ما بين قاطع طريق، وجهادي، ومقاتل في الميليشيات، ثم جندي في الجيش الرسمي، يمثل أوبيل نموذجاً صارخاً لتحولات الولاء في المنطقة الحدودية بين أزواد و النيجر و بوركينا فاسو، حيث تذوب الفوارق بين الدولة والمليشيا، وبين الجريمة والشرعية، في مشهد معقد لا يبدو أن نهايته قريبة.
Share this content:
اترك رد