عدد المشاهدات: 184

سقوط مدوٍ في بانيبانغو: مواقع الجيش والدرك وجميع المقرات الحكومية بيد المهاجمين وسط خسائر بشرية فادحة

بانيبانغو ليست مجرد قرية نائية عند الحدود المالية، بل هي نقطة استراتيجية حيوية في غرب النيجر، تقع عند تقاطع طرق بين والام وتيلابيري والعاصمة نيامي. سقوطها يوم الخميس 19 يونيو 2025 لم يكن مفاجئًا ولا قضاءً محتومًا، بل نتيجة لعمى متعمد، وقيادة فاشلة، ونظام عاجز عن أداء أبسط مسؤولياته الأساسية: حماية الأرض ومن يسكنها.

على مدى أيام، توالت التحذيرات: رسائل من السكان، معلومات من الشبكات المحلية، مؤشرات على تحركات مشبوهة في محيط بانيبانغو وأبالا وسانام. حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، ارتفعت الأصوات للتنبيه إلى الخطر الوشيك. ولكن لا شيء تم. القيادة العليا تجاهلت، قللت من الشأن، وتركت الأمور تتدهور. لم تُتخذ أي إجراءات فعلية، لا انتشار استباقي ولا استعداد.

وكما كان متوقعًا، وقع الهجوم. جماعات مسلحة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (EIGS) هاجمت بانيبانغو بأعداد كبيرة. اقتحموا المعسكرات العسكرية، سيطروا على منشآت الحرس الوطني، أحرقوا مقر المحافظة، نهبوا المباني الإدارية، ثم انسحبوا بلا أي مقاومة تُذكر أو ملاحقة.

قُتل ضابط في القوات المسلحة النيجرية، كان قائدًا للموقع العسكري في بانيبانغو، خلال الهجوم بينما كان يدافع عن رجاله وموقعه بشجاعة نادرة. في المقابل، بقي الجنرال تياني، قائد المجلس العسكري الحاكم، متحصناً في ثكنته مع الحرس الرئاسي، بعيدًا عن خطوط المواجهة.

نحن نُحيي ذكرى هذا الضابط الذي سقط في ساحة المعركة، رمز البطولة الصامتة في منظومة عسكرية أصابها الصمم. وبينما كانت المعارك مشتعلة، بدأ الفارون الأوائل من قوات الأمن بالوصول إلى والام، يتقدمهم مفوض الشرطة في بانيبانغو الذي فضّل الهرب على المقاومة.

الهجوم استمر من الساعة 08:50 حتى 10:30 صباحًا. في أقل من ساعتين، تم القضاء على جميع المواقع الاستراتيجية، ثم انسحب المهاجمون بهدوء نحو أندرابوكان في مالي دون أي مطاردة.

حتى الآن، لم يُنشر حصاد الهجوم، رغم أنه يبدو ثقيلاً، ولا يُتوقع من النظام الحاكم أن يتحلى بالشفافية.

وكالعادة، استولى الإرهابيون على كل المعدات العسكرية: أسلحة، ذخائر، أجهزة اتصال، دراجات نارية، معدات تكتيكية… وما لم يأخذوه، دمروه. أصبحت القرية، كما كثيرات قبلها، مستودعاً مجانياً لتجهيزات الجماعات الجهادية.

ولن تمر ساعات قبل أن تبث تلك الجماعات فيديوهاتها الدعائية: مشاهد لمخيمات سيطروا عليها، عربات عسكرية غنموها، شعاراتهم تُردد أمام مبانٍ مهدمة. كل هجوم يتحول إلى عرض للقوة، إذلال متكرر للجيش النيجري، واستعراض يُبث بسرعة البرق في هواتف سكان المناطق الريفية، مما يعمّق شعورهم بالخذلان والخوف.

انهيار متسلسل

بانيبانغو ليست هزيمة معزولة، بل محطة إضافية في مسار الانهيار المتدرج للدولة وجهازها الأمني. المجلس العسكري، الذي وعد باستعادة السيادة، أثبت عجزه عن الحفاظ على الجبهات أو تنسيق ردود فعل سريعة، أو حتى التواجد الرمزي في المناطق المهددة.

كل قرية تسقط، تضعف معها الطرق الحيوية التي تربط عمق البلاد بالعاصمة. بسقوط بانيبانغو، أصبحت الطريق نحو والام ثم نيامي معرضة للخطر. الممر الاستراتيجي في الغرب يتصدع. التهديد يتقدم.

القوات التي كان يفترض أن تتحرك من والام لم تصل… كما في كل مرة. ففي كل هجوم جهادي، يكون رد الدولة متأخرًا – أو لا يأتي أصلًا.

جيش منكسر ودولة تتفكك

الجيش النيجري في حالة إنهاك. معنويات الجنود محطمة. التجهيزات ناقصة، القيادة ضعيفة، والرواتب متأخرة. القيادة المركزية، المسيّسة والمهووسة بصورتها، تفضل حماية سمعتها على حماية جنودها. المجلس العسكري، المنشغل بتثبيت سلطته، نسي أن السلطة بلا حماية للشعب تفقد شرعيتها.

أجهزة الاستخبارات مشلولة، اللوجستيات فوضوية، الطائرات المسيّرة لا تحلّق، القوافل تُفجّر، وحدات النخبة مشتتة. السكان المحليون إمّا ينظرون بلا حول أو ينضمون للأقوى: من هو موجود ميدانيًا، لا من يراقب من نيامي.

البلاد تتعفن من الداخل. سرطان انعدام الأمن ينتشر مع كل هجوم: من تشومبانغو إلى داراي داي، من فومبيتا إلى أداب داب، من تيليا إلى بانيبانغو، التحلل منظم. وكل صمت رسمي يتحول إلى إذن ضمني للجماعات المسلحة بالمواصلة.

ماذا يكشف سقوط بانيبانغو؟

  • سلطة عسكرية عاجزة عن تأدية مهامها السيادية الأساسية.
  • جيش متروك، بلا استراتيجية، بلا دعم، بلا أمل.
  • شعب تُرك لمصيره، لا تجد تحذيراته آذانًا صاغية.
  • أرض تتآكل، كل قرية تسقط هي خطوة إضافية للعدو.
  • وكذب رسمي مستمر، تُخفى فيه الخسائر وتُطمس الحقائق خلف شعارات جوفاء.

بانيبانغو ليست فقط فشلًا عسكريًا، بل إدانة سياسية، وانهيار استراتيجي، وخيانة صامتة. وطالما يصرّ المجلس العسكري النيجري على الإنكار، ويواصل الحكم عبر الشعارات والقمع بدل الحماية، فإن البلد سيتآكل، لبنة بعد لبنة، ومدينة بعد أخرى، حتى يصل الانهيار إلى قلب النيجر نفسه.

Share this content:

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

قد يعجبك

error: Content is protected !!