عدد المشاهدات:
294
بين وهم السيادة وحقيقة الميدان: جبهة أزواد تُحطّم هيبة باماكو

الصورة قاسية. حوالي اثني عشر رجلاً، يحملون بنادق الكلاشينكوف، ووجوههم مغطاة جزئيًا، يقفون بفخر فوق مدرعة عسكرية مثقوبة الجوانب، في مشهد يُجسد انتصارًا في معركة دامية. لكن المشهد لا يحدث في أوكرانيا أو فلسطين، بل في مالي، وتحديدًا في منطقة كيدال، حيث تواصل الخرائط الرسمية رسم سيادة لم تعد موجودة إلا على الورق. هذه الصورة، التي التُقطت قبل يومين ونشرتها عناصر جبهة تحرير أزواد (FLA)، تمثل صفعة عنيفة تُوجَّه إلى الدعاية الرسمية في باماكو. وهي أكثر من ذلك: إنها كاشف صارخ عن المأزق السياسي والعسكري والهووي الذي غرقت فيه دولة مالي.
المدرعة التي يقف فوقها هؤلاء الرجال ليست عربة عادية. إنها إحدى مدرعات الجيش المالي الجديدة، من تلك المعدات اللامعة التي تم استعراضها في السنوات الأخيرة كرمز لما سُمّي بـ”تصاعد القوة” لدى القوات المسلحة المالية (FAMa). ما كانت الدولة تطمح لأن يكون رمزًا لنهضتها الأمنية، تحول اليوم إلى غنيمة حرب في يد فصيل مسلح يعارض سلطتها علنًا.
الصورة ليست فقط توثيقًا لانتصار عسكري. بل هي بيان بصري. إنها تقول بوضوح: “نحن في أرضنا. أنتم لا تسيطرون على شيء. رموز قوتكم صارت مادة لسخريتنا”. هذه المدرعة، التي ظنت بها السلطة في باماكو أنها ستكون أداة ردع، أصبحت في يد جبهة تحرير أزواد سلاحًا إعلاميًا فتاكًا، ودليلًا ساطعًا على خواء الخطاب الرسمي حول “استعادة السيادة على الأرض الوطنية”.
يجب أن نكون صريحين: كيدال لم تعد ماليّة فعليًا. وربما لم تكن كذلك منذ اتفاقات الجزائر، بل منذ الاستقلال في 1960، حسب ما يرى بعض قادة الطوارق. هذه المدينة تمثل المرآة المهشمة لمشروع وطني فشل في تجاوز حدود الجنوب الماندينغي كي يتحول إلى واقع شامل للجميع.
منذ شهور، تدعي سلطات المرحلة الانتقالية في مالي أنها “تؤمن الأراضي” بمساعدة شركائها الروس، بينما ترفض تمامًا أي حوار مع الحركات المسلحة في الشمال. إنها استراتيجية مبنية على الكبرياء والوهم. والواقع يقول: إن قوات فامّا، رغم المدرعات والطائرات المُسيّرة والزي العسكري الجديد، عاجزة عن السيطرة على كيدال ومحيطها. بل الأسوأ: عندما يدخلونها، يتكبدون خسائر فادحة.
هذه الصورة تُظهر عبثية حرب غير متكافئة تُدار بأدوات تقليدية. فـFLA، مثل غيره من الجماعات الطوارقية والعربية المسلحة في شمال مالي، لا يملك طائرات ولا دبابات ولا هيئة أركان في ملاجئ مكيفة. لكنه يملك الأرض. ويملك التحالفات المحلية. ويملك تعاطفًا شعبيًا صامتًا من سكان لم يعودوا يرون أنفسهم جزءًا من الدولة المالية منذ عقود. والأهم، أنه يحمل قناعة وجودية بأن أزواد أرض للتحرير، لا للاحتلال.
أما سلطات باماكو، الغارقة في خطاب أمني فارغ وشعارات سيادية عقيمة، فليس لديها ما تقدمه فعليًا لهذه المناطق. لا عدالة، لا طرق، لا احترام. لا شيء سوى الإذلال، والوصم، وإنكار الذاكرة التاريخية. لقد أرادت الدولة إخضاع كيدال بالقوة، لكنها جنت فقط العار ومدرعة مقلوبة ضدها.
منذ الانقلاب العسكري عام 2020، تم إنشاء آلة دعاية مهووسة. كل شحنة سلاح روسي تتحول إلى عرض. كل حركة عسكرية يُرافقها سرد بطولي. وكل خطاب يتحدث عن “السيادة المستعادة”، و”الكرامة العائدة”، و”الشعب المنتصر”. لكن في الوقت نفسه، يسقط الجنود أسبوعيًا وسط لامبالاة وطنية، وتخرج مناطق بأكملها عن السيطرة، وتستعيد الجماعات المسلحة المبادرة.
هذه الصورة من كيدال تمثل مساميرًا جديدة في نعش كذبة الدولة. الجيش المالي، الذي تم الترويج له على أنه لا يُقهر، يظهر هناك ضعيفًا، متفرقًا، سيء القيادة. المدرعات الجديدة تصل دون خطة استخدام، دون رؤية استراتيجية، دون شرعية سياسية. والنتيجة؟ تصبح تذكارات حرب.
والمأساوي أيضًا هو إصرار السلطات المالية على الإنكار. بدلًا من فهم مقاومة كيدال كصرخة سياسية تعبّر عن مرض وطني عميق، تواصل باماكو ترديد مصطلحات “إرهاب”، و”أيادٍ أجنبية”، و”خونة للوطن”. إنه أسلوب مريح، لكنه كسول فكريًا، وخاطئ تاريخيًا.
إن جبهة تحرير أزواد، كغيرها من الحركات الطوارقية، تحمل مطالب سياسية عميقة الجذور: إنهاء تهميش الشمال، احترام الشعوب غير الماندينغية، والاعتراف بتاريخ بديل لمالي. هذه المطالب ليست جديدة. إنها قديمة قدم الاستعمار، وقمع الانتفاضات الطوارقية، وفشل اتفاقات السلام، والظلم البنيوي. وكل إهانة عسكرية تتعرض لها باماكو تُفهم من قبل هذه الجماعات على أنها عدالة رمزية مستحقة.
صورة كيدال تفرض استنتاجًا بسيطًا لكنه مؤلم: مالي لم تعد تسيطر على مالي. الدولة صارت وهمًا في مناطق عديدة. تحل محلها ميليشيات، وجماعات مسلحة، وزعامات تقليدية أو دينية. السلطة العسكرية، المهووسة بالهيمنة، رفضت الحوار السياسي، وانخرطت في حرب لا يمكنها كسبها، لا عسكريًا ولا أخلاقيًا.
وبإصرارها على فرض وحدة وطنية متخيلة بالسلاح، تحصد فقط تفككًا ترابيًا. ومع كل مدرعة تُؤسر، تنهار قليلاً تلك الخرافة السيادية.
هذه الصورة من كيدال يجب أن تكون صدمة كهربائية. إنها تُظهر بلدًا مفككًا، وجيشًا منهارًا، ونخبًا عسكرية تعيش في مسرح ظلالها الخاص. ما دامت باماكو ترفض رؤية كيدال كأكثر من مدينة متمردة يجب إخضاعها، بدلًا من فهمها كعلامة على أزمة وطنية عميقة، فلن يكون هناك سلام.
مالي لا تحتاج مزيدًا من المدرعات. بل تحتاج إلى بصيرة سياسية، ومصالحة حقيقية، وعقد اجتماعي جديد. وبدون ذلك، ستأتي صور أخرى. وستُؤسر مدرعات أخرى. وستظهر حقائق أخرى، أكثر قسوة.
—
هل ترغب أن أختصر لك هذه الترجمة في شكل مقال صحفي أو ملخص سريع؟
Share this content:
اترك رد