عدد المشاهدات: 210

انسحاب “فاغنر” من مالي يثير قلق كولبا.. الجهاديون عند مشارف باماكو و”الفيلق الإفريقي” يحاول احتواء الأزمة

في تحول بارز للمشهد العسكري في مالي، أعلنت مجموعة “فاغنر” الروسية اكتمال مهمتها في البلاد وانسحابها رسميًا بعد أكثر من ثلاث سنوات من العمل إلى جانب القوات المالية، في إطار مكافحة الجماعات المسلحة التي تنشط في الشمال والوسط. هذا الانسحاب يأتي في وقت حرج تشهد فيه البلاد تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات المسلحة، ومجازر دموية لم تعرفها منطقة الساحل منذ سنوات.

وبينما أعلنت “فاغنر” أن مقاتليها “قضوا على آلاف الإرهابيين” وساهموا في استعادة مدن استراتيجية مثل غاو وتمبكتو وأنفيس وكيدال، و”ضاعفوا مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة الدولة”، فإن الوقائع الميدانية تشير إلى أن الجماعات المسلحة – خصوصًا في شمال مالي – عادت بقوة، موجهة ضربات موجعة للجيش المالي وموقعة خسائر فادحة.

خسائر ميدانية وعودة الأزواد

تكبدت قوات فاغنر والجيش المالي خلال الأشهر الأخيرة خسائر جسيمة، خاصة في مواجهات مع قوات أزوادية تتمتع بمعرفة دقيقة بالأرض وبدعم شعبي محلي. ففي الفترة من 25 إلى 27 يوليو 2024، دارت معارك دامية في مدينة تينظواتن بين مرتزقة فاغنر والجيش المالي من جهة، والقوات المسلحة الأزوادية من جهة أخرى، في محاولة للسيطرة على المدينة. تمكنت القوات الأزوادية من دحر جميع الجنود الماليين والروس، وأسفرت المعركة عن مقتل 84 جنديًا روسيًا و47 من الجيش المالي، إضافة إلى أسر عدد من الجنود الماليين والروس الذين استسلموا أحياء بعد المعركة، وما زالوا حتى اليوم في قبضة جبهة تحرير أزواد. هذه الخسائر كانت ضربة قاسية لقوات فاغنر والجيش المالي، وأظهرت محدودية قدرة المرتزقة على مواصلة مهمتهم.

مع تصاعد الاستنزاف العسكري، بات من الواضح أن المهمة فقدت زخمها، لتعلن “فاغنر” انسحابها وتترك فراغًا قد يبدو في ظاهره مؤقتًا، لكن تداعياته السياسية والعسكرية عميقة.

فيلق إفريقيا: الوريث المنظم لفاغنر؟

في الوقت الذي أعلنت فيه “فاغنر” رحيلها، خرج ما يُعرف بـ”فيلق إفريقيا” ليؤكد استمراره في مالي. هذا الفيلق، الذي ظهر رسميًا مطلع عام 2024، يضم بين 70 إلى 80% من عناصر فاغنر السابقين، ويشرف عليه الجنرال يونس بك إيفكوروف، نائب وزير الدفاع الروسي، ما يكشف عن انتقال التنظيم من الشكل “الخاص وغير الرسمي” إلى الهيكلية الرسمية المرتبطة مباشرة بموسكو.

ويضم “فيلق إفريقيا” قوة بشرية تتراوح بين 40 إلى 45 ألف مقاتل، موزعين على خمس دول إفريقية: ليبيا (المقر المركزي)، مالي، النيجر، بوركينا فاسو، وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد بدأ هذا الفيلق عمليات التجنيد في ديسمبر 2023 داخل روسيا وبعض البلدان الإفريقية، في خطوة تؤشر على إعادة هيكلة التمدد العسكري الروسي في القارة السمراء.

الرسائل السياسية من وراء الانسحاب

البيان الصادر عن “فاغنر” حرص على التأكيد أن روسيا “لا تتراجع”، بل تواصل دعمها لباماكو بـ”شكل أكثر جوهرية”، في محاولة واضحة لنفي أي إشارات إلى تقليص الحضور الروسي في مالي. فالانسحاب التكتيكي لـ”فاغنر” يترافق مع حضور مؤسسي لـ”فيلق إفريقيا”، ما يعكس رغبة موسكو في توحيد جهودها العسكرية في إفريقيا تحت غطاء أكثر مركزية وخضوعًا للقيادة الرسمية الروسية، بعيدًا عن الفوضى المرتبطة بتاريخ “فاغنر”.

مستقبل مالي بين الدعم الروسي وتفاقم التهديدات

رغم كل هذه التحركات، تبقى مالي في عين العاصفة. فالجماعات المسلحة تتوسع من الشمال نحو الجنوب، وتقترب من العاصمة باماكو، وسط تقارير عن مجازر وانتهاكات خطيرة. ومع تراجع فاعلية الجيش المالي، وانقسام المجتمع المحلي، يطرح سؤال جوهري: هل سيكون “فيلق إفريقيا” أكثر قدرة على تحقيق ما فشلت فيه “فاغنر”؟ أم أن المسار نفسه سيتكرر تحت اسم جديد؟

Share this content:

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

اترك رد

قد يعجبك