عدد المشاهدات: 385

العباس أغ انتالا يخاطب أردوغان: هل أصبحت تركيا عونًا للأنظمة التي تقمع المسلمين؟

في خطوة غير مسبوقة، وجهت جبهة تحرير أزواد، عبر مسؤولها المكلف بالمصالحة العباس أغ انتالا، رسالة مفتوحة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعبر فيها عن صدمتها وامتعاضها الشديد من الدعم العسكري الذي تقدمه أنقرة للأنظمة العسكرية في منطقة الساحل، خاصة تلك المتورطة – حسب تعبير الرسالة – في قمع وإبادة المدنيين من سكان أزواد.

■ رسالة من قلب المعاناة

الرسالة، المؤرخة في 31 مايو 2025، حملت في طياتها استنكارًا شديد اللهجة للدور التركي المتنامي في دعم المجالس العسكرية التي تحكم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث اتُّهمت تركيا بتوفير طائرات مسيرة وتجهيزات عسكرية تُستخدم في قمع السكان المسلمين من الطوارق والعرب والفلان، لا سيما في شمال مالي، وهي منطقة ظلت لعقود تعاني من التهميش والصراعات.

جاء في الرسالة:

“نتابع ببالغ الأسى كيف توفر تركيا، التي قدمت نفسها نصيرا للمظلومين والمستضعفين، طائرات مسيرة ومعدات عسكرية لأنظمة متورطة في حملات قمع وإبادة جماعية ضد شعب أعزل، لا ذنب له سوى المطالبة بحقوقه المشروعة”.

■ اتهامات بالتناقض بين الخطاب والممارسة

جبهة تحرير أزواد لم تكتفِ بالتعبير عن القلق، بل ذهبت أبعد من ذلك، باتهام الحكومة التركية بـ”النفاق السياسي” بين خطابها الإسلامي المناصر للمستضعفين، ومواقفها الواقعية التي تدعم من أسمتهم الرسالة بـ”الطغاة العسكريين” الذين استولوا على السلطة بالقوة.

“فكيف لمن يرفع راية الإسلام، ويخاطب الأمة باسم العدالة، أن يرسل السلاح إلى من يقتل المسلمين؟”

هكذا تساءلت الرسالة بمرارة، موجهة نقدًا مبطنًا للرئيس أردوغان، الذي طالما قدم نفسه كزعيم للعالم الإسلامي، لكنه – حسب الرسالة – خذل الشعوب المضطهدة، عبر شراكات عسكرية مع أنظمة انقلابية.

■ تركيا ومواقفها من انقلابات الساحل

في السنوات الأخيرة، عززت تركيا من علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع سلطات مالي وبوركينا فاسو والنيجر، خصوصًا بعد انسحاب فرنسا والقوى الغربية من المنطقة، وتزايد النفوذ الروسي.

وقد رأت أنقرة في هذا الفراغ فرصة لتعزيز نفوذها عبر تقديم طائرات بيرقدار TB2 ومنظومات مراقبة وتجهيزات أمنية، ضمن مساعيها لتوسيع مجالات التعاون الدفاعي، لا سيما مع دول تعاني من تمردات مسلحة ونزاعات عرقية وطائفية.

لكن جبهة تحرير أزواد ترى في هذه المساعدات انحيازًا مباشرًا لطرف النزاع ضد السكان المحليين، وتصفها بأنها دعم لإرهاب الدولة الممارس ضد مسلمي أزواد، ما يشكل – حسب قولهم – تواطؤًا غير مباشر في سفك الدماء.

■ نداء باسم الإسلام والتاريخ

ما يميز الرسالة أنها لا تنطلق من موقع الخصومة مع تركيا، بل من موقع أخلاقي وإيماني، حيث استُشهد بآيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية لتذكير الرئيس التركي بمسؤولياته الدينية تجاه الشعوب المسلمة.

“المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره” — بهذه العبارة النبوية ختمت الجبهة تساؤلها عن المعايير الأخلاقية للسياسات التركية.

كما تضمن الخطاب تذكيرًا للشعب التركي بأن الحكومة التي قاومت انقلابًا في 2016، باتت اليوم تدعم الانقلابات في إفريقيا، ما يشكل – بحسب الرسالة – نكسة للمبادئ التي قامت عليها تركيا الحديثة.

■ تركيا بين البراغماتية السياسية والهوية الإسلامية

هذا التحرك الإعلامي والسياسي من جبهة تحرير أزواد يعكس تطورًا نوعيًا في الخطاب السياسي للحركات الأزوادية، التي لطالما اشتكت من التعتيم الدولي على معاناتها. فبدلاً من الاكتفاء بالبيانات المحلية أو الشكاوى إلى المنظمات الحقوقية، تتجه اليوم إلى مخاطبة القادة الدوليين مباشرة.

كما أن الرسالة تضع تركيا أمام معضلة أخلاقية وسياسية، بين طموحاتها الجيوسياسية في إفريقيا من جهة، والهوية الإسلامية التي تسوّق بها نفسها دوليًا من جهة أخرى.

■ “نسأل الله أن يهديكم”

بهذه العبارة المؤثرة، ختم العباس أغ انتالا رسالته، موجها دعوة إلى مراجعة المواقف والعودة إلى “الحق والعدل”، مؤكداً أن “دماء المسلمين لا تسقط بالتقادم، والتاريخ لا ينسى”.

■ الخلاصة

تمثل هذه الرسالة علامة فارقة في العلاقة بين أنقرة والحركات الإسلامية أو التحررية في الساحل، وتكشف عن توترات صامتة قد تتصاعد مستقبلاً إذا استمرت تركيا في تقديم الدعم غير المشروط للأنظمة العسكرية.
وفي زمن تعج فيه الساحة الدولية بالتحالفات المتبدلة، تبقى مصداقية الخطاب الإسلامي لتركيا على المحك، خاصة في عيون من يعتبرون أنفسهم جزءًا من الأمة الإسلامية، وليسوا فقط وقودًا لصراعات الجغرافيا السياسية.

فهل سترد أنقرة على هذه الرسالة؟ أم أن الصمت سيكون سيد الموقف؟
الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.

Share this content:

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

اترك رد

قد يعجبك