عدد المشاهدات:
0
معركة قضائية يقودها معارضون للطعن في قرار حل الأحزاب السياسية وسط صمت المؤسسة القضائية
تشهد مالي مرحلة سياسية دقيقة منذ إعلان السلطات الانتقالية في 13 مايو 2025 قرارًا مفاجئًا بحل جميع الأحزاب السياسية، ما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والمدنية. وقد ردّت شخصيات سياسية بارزة ومثقفون وحقوقيون على هذا القرار بإجراءات قانونية متزامنة تهدف إلى الطعن في دستوريته وإبراز خطورته على الحريات الأساسية ومبدأ التعددية السياسية. هذا التصعيد القضائي، الذي يقوده وزير العدل السابق والمحامي مونتاغا تال، لا يُنظر إليه فقط كمحاولة قانونية بحتة، بل كتحرك استراتيجي للحفاظ على المسار الديمقراطي في البلاد، في وقت تتزايد فيه المخاوف من انحراف السلطة الانتقالية نحو الحكم الأحادي وقمع المعارضة.
مالي: الطعن القضائي في حل الأحزاب السياسية
في مالي، بدأت يوم الأربعاء 21 مايو إجراءات قانونية من قبل مسؤولين سياسيين سابقين لأحزاب تم حلها مؤخرًا. الهدف من هذه الخطوات هو الطعن في قرار حل هذه الأحزاب الذي أصدرته سلطات المرحلة الانتقالية في 13 مايو الجاري. وقد أعلن المحامي ووزير العدل السابق، مونتاغا تال، الذي يتولى دور “المنسق القانوني”، عن هذا التحرك في بيان صدر ليلًا. ورغم أن هذه المعركة القضائية تبدو قليلة الحظوظ في النجاح، إلا أن أصحابها يرونها ضرورية واستراتيجية.
تحرك باسم “مواطنين ملتزمين”
تقدم نحو عشرة من رؤساء ومسؤولي الأحزاب المنحلة بطعون قانونية، بشكل جماعي ولكن بأسمائهم الشخصية، بصفتهم “مواطنين ملتزمين” لتجنب التعرض للعقوبات التي قد تطال من يواصلون أي نشاط باسم أحزابهم المحظورة.
قال أحدهم: “كنا حوالي مئة، لكننا قلصنا العدد لتقديم الملفات في الوقت المحدد”.
“نهج غير مسبوق للتقاضي المنسق”
تم تقديم عدة طعون متزامنة أمام محاكم الدوائر الست الكبرى في منطقة باماكو، للطعن في “الآثار” المترتبة على حل الأحزاب، والتي وصفوها بأنها “انتهاك جسيم لحرية التجمع وتكوين الجمعيات والمشاركة في الحياة العامة”. كما تم اللجوء إلى الغرفة الإدارية في المحكمة العليا للطعن في قانونية المرسوم الرئاسي الذي نص على حل الأحزاب.
في كل هذه الإجراءات، يتم الاستناد إلى انتهاك الدستور كأساس للطعن. ويقول المحامون إن الاستراتيجية تهدف إلى دفع المحاكم لإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية للبت في دستورية هذا الحل. ويصرّ المحامي مونتاغا تال: “لا أحد يمكنه الحكم خارج أو ضد الدستور، حتى في ظل مرحلة انتقالية. التعددية السياسية، الحرية، ودولة القانون ليست قابلة للتفاوض”.
شكوى ضد عضوين في المجلس الوطني الانتقالي
كما تم تقديم شكوى أمام الوحدة المتخصصة بمكافحة الجرائم السيبرانية ضد عضوين في المجلس الوطني الانتقالي (CNT)، وهما بيتون ماماري كوليبالي ومولاي كيتا، لنشرهما في مطلع الشهر مقاطع فيديو تحرض على العنف ضد أنصار الديمقراطية. وقد تم تقديم شكاوى بتهم “السب العلني، التشهير، والتهديد بالقتل” أمام هذه الوحدة المعروفة بإرسالها العديد من المعارضين إلى السجن. إلا أن هذه المرة تتعلق القضية بمؤيدين بارزين للسلطة العسكرية.
نداء من مثقفين ماليين
وفي اليوم ذاته، نشر نحو عشرين مثقفًا ماليًا بيانًا يدعون فيه إلى “حماية الجمهورية” و”صون الحريات والحقوق الأساسية”. وفي الأيام السابقة، عبّر عدد من الشخصيات السياسية عن سخطها وقلقها عبر تصريحات فردية نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن هذه الخطوات القانونية تُعتبر أول عمل ملموس يقوم به أنصار الديمقراطية منذ دخول قرار حل الأحزاب السياسية حيز التنفيذ في 13 مايو.
استقلالية القضاء موضع تساؤل
ورغم ضعف فرص النجاح، نظراً لما أظهره القضاء المالي في السنوات الأخيرة من خضوع للسلطات الانتقالية، فإن المعنيين بهذه الطعون ما زالوا يؤمنون بـ”نزاهة بعض القضاة”. يقول أحد الوزراء السابقين: “هناك ضغط كافٍ لنأمل ذلك، وقد يشكل هذا فرصة للسلطة العسكرية للتظاهر بوجود فصل للسلطات”.
ويضيف: “الأهم هو إبقاء النقاش قائمًا وتوعية الرأي العام بعدم شرعية هذا القرار”. ويعلق أحد النشطاء المؤيدين للديمقراطية: “نحن نقاتل من أجل دولة القانون، ومن الطبيعي أن نستعمل كل الوسائل القانونية”.
ويتابع معارض آخر: “إنها أيضًا وسيلة لاستفزاز النظام وتحفيز القواعد الشعبية للبقاء في حالة تعبئة”.
“حرب استنزاف”
يقول أحد الوزراء السابقين، المشاركين في الطعن: “نعرف أن فرصنا لا تتجاوز واحدة من عشر، لكن تحركنا هذا يأتي في إطار احترام الدستور ومحاربة الإفلات من العقاب”. ويضيف: “سنضع القضاة أمام مسؤولياتهم، ونجعل الرأي العام الوطني والدولي شاهدًا. إنها حرب استنزاف ضد النظام الحالي، ولن تتوقف إلا بالنصر النهائي”.
ويختم رئيس أحد الأحزاب المنحلة بقوله: “أمام التاريخ، إما أن يقول القضاة كلمتهم استنادًا إلى القانون، أو أن يسجلوا على أنفسهم وصمة أبدية”.
Share this content:
اترك رد