عدد المشاهدات: 211

غوسي: مدينة أسيرة بين احتلال الجيش المالي وفاغنر وحصار الجماعات الجهادية

في قلب أزواد، وفي ولاية غاو تحديدًا، تقع مدينة غوسي، التي تحوّلت في الأسابيع الأخيرة إلى مسرح دامٍ لفشل أمني مزدوج: احتلال من قبل القوات المالية ومرتزقة فاغنر، وحصار خانق تفرضه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. هذه المدينة، التي يفترض أنها تحت “الحماية” الرسمية، تُركت تواجه مصيرها في عزلة تامة، بلا غذاء، ولا اتصالات، ولا أفق للإنقاذ.

بين فكّي كماشة: الاحتلال والحصار

غوسي ليست تحت سيطرة الدولة، بل تحت احتلال فعلي، حيث تنتشر ثكنات الجيش المالي وعناصر فاغنر الروسية، فيما يتصرف هؤلاء كقوة استعمارية أكثر من كونهم حماة للمدنيين. في المقابل، ومن خارج أسوار الثكنات، تحكم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الطوق حول المدينة، تفرض الحصار، وتتحكم في المداخل والمخارج، وتستهدف كل بنية تحتية تربط المدينة بالعالم.

1 مايو: بداية العزلة الكاملة

في ليلة 1 مايو 2025، فجّرت الجماعة المسلحة برج الاتصالات التابع لشركة أورانج، فقط على بعد أمتار من القوات الحكومية. لم تتدخل فاغنر، ولم يتحرك الجيش المالي. النتيجة: دخول غوسي في ظلام إعلامي واتصالي كامل، ما مهد لمرحلة جديدة من الحصار والترهيب.

تصعيد ممنهج: تكتيكات ترويع واستئصال

في 3 مايو، توغلت عناصر مسلحة إلى قرية كايغورو، وصادرت أجهزة الاتصال، وأجبرت السكان على مغادرة منازلهم، مما شكّل تهديدًا مباشرًا للوجود المدني في المنطقة. بعدها بيوم واحد، في 4 مايو، فرضت الجماعة حصارًا كاملًا على المدينة، ومنعت دخول الباعة والمزارعين، مما أنذر بانفجار أزمة إنسانية حادة في ظل نفاد المؤن الأساسية وغياب أي دعم حكومي أو إنساني.

غوسي تستغيث… ولا مجيب

في مواجهة هذه الكارثة، لم يتوجه سكان غوسي إلى الدولة أو رئيسها أو جيشها، بل إلى الجهة التي تحاصرهم: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. هذا النداء الصادم يُعبر عن حجم اليأس وانعدام الثقة في قدرة الحكومة المالية على حمايتهم، أو حتى في رغبتها بذلك. لقد أصبحت غوسي مثالًا صارخًا لمعادلة مقلوبة: الدولة موجودة على الورق، والغائب الحقيقي هو الأمن والسيادة والكرامة.

باماكو تتفرج… وتتزين بالقمع

في حين تتألم غوسي وتُخنق، تنشغل السلطة في باماكو بالترويج لمشاريع وهمية عن “التحرر من الاستعمار” و”نهضة عسكرية”، بينما الواقع يفضح هشاشة الدولة وانغماس قادتها في بناء القصور وقمع المعارضين. لقد أصبحت العاصمة مسرحًا لسلطة تزداد استبدادًا وتتعالى عن معاناة المواطنين في المناطق المهمشة.

أزواد، من جديد، خارج الحسابات

غوسي ليست استثناءً، بل نموذجًا لما تعيشه مناطق أزواد من إقصاء وتجاهل ممنهج. التهميش التاريخي، واليوم الاحتلال من جهة، والحصار من جهة أخرى، يعيد طرح سؤال جوهري: هل ما تزال هذه المناطق جزءًا من الوطن؟ أم أنها مجرّد أوراق تفاوض تُستخدم لتزيين الخطاب السيادي أمام كاميرات الإعلام الرسمي؟


خاتمة:

غوسي اليوم مدينة معلّقة بين قوتين متصارعتين تتجاهلان معاناة الإنسان، وتوظفان الأرض والسكان كأدوات في لعبة نفوذ ملوثة بالدماء. وبين مطرقة فاغنر وسندان الجماعات الجهادية، لا خيار أمام سكانها سوى الصمود، أو الصمت، أو التهجير.

Share this content:

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

اترك رد

قد يعجبك