عدد المشاهدات:
290
الاغتيالات السياسية ضد القادة الأزواديين: مسلسل دموي في ظل صمت دولي مريب
لم تكن قضية أزواد في يوم من الأيام مجرد نزاع مسلح أو خلاف سياسي عابر، بل هي قضية شعب يسعى إلى الاعتراف بهويته وحقوقه التاريخية، في مواجهة نظام مركزي في باماكو لطالما تعامل مع المطالب الأزوادية بمنطق القمع والتهميش. وفي خضم هذا الصراع الطويل، برزت ظاهرة خطيرة وممنهجة تمثلت في استهداف القيادات السياسية والعسكرية الأزوادية بعمليات اغتيال مدروسة، غالبًا ما تتم في قلب العاصمة المالية باماكو أو في محيط قواعد أممية يفترض أنها محمية، ما يطرح علامات استفهام عديدة حول الجهات الفاعلة والمتواطئة، وكذلك حول الموقف الدولي المتخاذل.
الشيخ أغ أوسا: اغتيال على أعتاب الأمم المتحدة
في مساء السبت 8 أكتوبر 2016، دوّى انفجار عنيف في قلب مدينة كيدال، مستهدفًا سيارة الشيخ أغ أوسا، القائد العسكري البارز للمجلس الأعلى لوحدة أزواد، أثناء خروجه من اجتماع أمني عقد داخل معسكر القوات الأممية. الانفجار وقع على بعد ثلاثمائة متر فقط من بوابة القاعدة الدولية، ما يشير إلى اختراق خطير لإجراءات الأمن، إن لم يكن تواطؤًا صريحًا. وأكد بيان تنسيقية الحركات الأزوادية أن التحقيقات الأولية تشير إلى زرع عبوة ناسفة في سيارته أثناء توقفها داخل المعسكر، ثم تفجيرها عن بُعد.
جاء الحادث بعد لقاء أجراها أغ أوسا مع مسؤولين من القوات الأممية والفرنسية وغيرها حول في إطار المشاورات الروتينية بين الأطراف التي تسيطر على مدينة كيدال
لكن رغم توجيه الاتهامات لفرنسا و القوات الأممية من عدة جهات ، لم يُكشف عن أي تقدم في التحقيقات..
كيف يُقتل قائد أزوادي بارز في قلب بوابة الأمم دون أن تتحرك الأجهزة الأمنية في التحقيقات ؟
- لماذا لم تُقدم القوات الاممية ولا الفرنسية أي نتائج للتحقيق رغم وعودها؟
محمدو جيري مايغا: موت غامض واتهامات صريحة
بعد عامين، وفي أكتوبر 2018، رحل محمدو جيري مايغا، نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي لأزواد، في ظروف غامضة بباماكو. ورغم أنه نقل إلى المستشفى بعد وعكة صحية مفاجئة، فإن رفاقه يؤكدون أن وفاته لم تكن طبيعية، بل كانت عملية اغتيال مدبرة، في ظل تواتر تهديدات علنية وغير مباشرة ضد القيادات الأزوادية.
مايغا، أحد مؤسسي الحركة الوطنية لتحرير أزواد، لم يكن شخصية عسكرية، بل مفاوضًا بارعًا وفاعلًا في مسار السلام منذ 2012. وقد شكّل مثالًا للتعدد الإثني داخل الحركات الأزوادية كونه من قومية السونغاي، لا الطوارق، وكان دومًا وجهًا توافقيًا يروج لحل سياسي. غير أن خصومه رأوا فيه خطرًا سياسيًا يُفضّل التخلص منه.
وكان يشغل منصب رئيس لجنة تنسيقية الحركات الأزوادية في لجنة متابعة الاتفاقية.
سيدي إبراهيم ولد سيداتي: رصاصة في وضح النهار
في 13 أبريل 2021، دوّى خبر اغتيال سيدي إبراهيم ولد سيداتي، المنسق العام لتنسيقية حركات أزواد (CMA)، بعد تعرضه لإطلاق نار مباشر في سيراكورو بباماكو. وكان ولد سيداتي أبرز الوجوه المشاركة في اتفاق الجزائر عام 2015، و كان رئيس لتنسيقية الحرات الأزوادية CMA، ورئيس لجنتها في لجنة متابعة الاتفاقية، ويسعى دائمًا إلى تقليص هوة الثقة بين أزواد وباماكو.
وقد قوبل اغتياله ببيانات شجب من الحكومة المالية والأمم المتحدة، لكنها بقيت دون أثر فعلي. فالحكومة، المتهمة ضمنيًا، اكتفت بإعلان فتح تحقيق لم يُكتب له أن يرى النور حتى اليوم. وقد أشارت أصوات عديدة إلى أن غياب أي تدابير حماية خاصة للقيادات الأزوادية يعكس نية مبيتة لإبقاء رؤوسهم مكشوفة أمام الخطر.
كيف يُقتل قائد أزوادي بارز في قلب العاصمة دون أن تتحرك الأجهزة الأمنية؟
- لماذا لم تُقدم الحكومة المالية أي نتائج للتحقيق رغم وعودها؟
ما وراء الاغتيالات: استراتيجية لكسر التمثيل السياسي
الملاحظ أن جميع المستهدفين كانوا يمثلون جهة سياسية تفاوضية داخل تنسيقية الحركات الأزوادية، شاركوا في اتفاق الجزائر وراهنوا على حل سلمي. ما يوحي بأن هناك إرادة لإفراغ المسار السلمي من قادته، وفرض معادلة ميدانية قوامها القمع أو التصفية. والأخطر من ذلك، أن عمليات الاغتيال حدثت إما في محيط بعثات أممية، أو داخل العاصمة باماكو، ما يعني أن الدولة المالية إما عاجزة عن حماية الشركاء السياسيين أو ضالعة في تصفيتهم.
صمت دولي مريب
في ظل هذه الأحداث، يبرز الصمت الدولي كأخطر شريك غير مباشر في الجريمة. فالأمم المتحدة، التي ترعى اتفاق الجزائر، لم تحرك ساكنًا إزاء اغتيال ممثليها الفعليين في لجنة متابعة الاتفاق. أما فرنسا، التي تحتفظ بنفوذ أمني واستخباراتي كبير في المنطقة، فاختارت تجاهل الاتهامات الموجهة إليها من طرف الحركات أو الجماعات الجهادية.
وحتى الدول الضامنة للاتفاق، مثل الجزائر و الولايات المتحدة و روسيا، لم تصدر مواقف واضحة، واكتفت بتجديد الدعوة إلى التهدئة، بينما تواصل مالي خرق الاتفاق بإدخال مرتزقة فاغنر، وشن حملات عسكرية دموية في مدن أزواد، راح ضحيتها آلاف المدنيين.
إلى متى الصمت؟
إن مسلسل الاغتيالات السياسية ضد القادة الأزوادية لا يمكن اعتباره صدفة أو نتائج صراعات فردية، بل هو نتاج ممنهج لاستراتيجية تصفية الصوت السياسي الأزوادي. وهو ما يطرح أسئلة جوهرية:
لماذا لم تتحرك الأمم المتحدة والدول الضامنة للاتفاق لحماية ممثلي الطرف الأزوادي؟
إن حماية المسار السلمي تمر حتماً عبر ضمان سلامة ممثليه، والكفّ عن سياسة غض الطرف أمام الجرائم الممنهجة.
Share this content:
اترك رد