الجزائر : طرد متدربين نيجريين من الجزائر على خلفية التوتر الدبلوماسي
في تصعيد جديد يعكس عمق الأزمة المتزايدة بين الجزائر ودول تحالف الساحل (AES)، أفادت مصادر مطلعة بطرد أربعة وكلاء من شركة تكرير النفط النيجيرية SORAZ كانوا يتلقون تدريبًا مهنيًا في الجزائر، وذلك في أعقاب التوتر المتصاعد بعد إسقاط طائرة مسيّرة مالية من قبل الدفاع الجوي الجزائري. الحادثة فتحت الباب على مصراعيه أمام تساؤلات حادة بشأن مستقبل العلاقات بين الجزائر والنيجر، ومدى تأثير الأزمة على التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والتدريب والدبلوماسية.

تفاصيل الحادثة: الطرد والعودة إلى زيندر
بحسب ما أكدته مصادر رسمية نيجيرية، فإن أربعة من موظفي SORAZ، كانوا قد أرسلوا في إطار برنامج تدريبي إلى الجزائر، قد تم إعادتهم قسرًا إلى بلادهم، ووصلوا بالفعل إلى مدينة زيندر في النيجر يوم أمس. ويُذكر أن شركتهم تُعد من أبرز المؤسسات الطاقية في البلاد، بشراكة نيجيرية-صينية، وهي أساس مهم في بنية الاقتصاد النيجري.
إلى جانب ذلك، تم تعليق برامج تدريبية كانت مقررة لمجموعتين أخريين من موظفي الشركة ذاتها، مما يعكس تجميدًا عمليًا للعلاقات التكوينية بين البلدين.
الخلفية: من إسقاط الطائرة إلى أزمة مفتوحة
يعود أصل الأزمة إلى حادثة إسقاط طائرة مسيرة مالية داخل الأجواء الجزائرية، وهو ما اعتبرته الجزائر “انتهاكًا صارخًا لسيادتها الوطنية”. وقد أشارت بعض التحليلات إلى أن الطائرة كانت في مهمة استخباراتية أو عسكرية ضمن سياق الصراع في شمال مالي، حيث تتهم الجزائر جارتها مالي باستخدام طائرات تركية مسيرة لقصف مناطق قريبة من حدودها، في ظل الصراع مع الحركات الأزوادية.
يمكن الرجوع إلى تحليلنا السابق:
الجزائر ترد بأدلة دامغة على اتهامات باماكو: بيان ناري يكشف خفايا الأزمة مع مالي ودول الساحل
وقد أدى هذا الحادث إلى موجة من التصعيد الإعلامي والدبلوماسي، حيث استدعت الجزائر سفير النيجر، في حين اعتبرت سلطات نيامي أن الرد الجزائري “مبالغ فيه وغير مبرر”، في ظل ما تدعيه من تعاون إقليمي في مكافحة “الإرهاب العابر للحدود”.
الروابط الجيوسياسية: الجزائر في مواجهة دول AES
تتسع رقعة الأزمة لتشمل مالي وبوركينا فاسو، الحليفين الرئيسيين للنيجر في “تحالف دول الساحل AES”، الذي تَشكل بعد انقلابات متتالية في هذه البلدان. وقد اتجه هذا التحالف نحو التقارب مع روسيا وابتعاد واضح عن فرنسا.
ويُعد ما حدث للمتدربين النيجريين مثالًا جديدًا على تفكك التعاون الإقليمي في شمال وغرب إفريقيا، حيث كانت الجزائر تاريخيًا مصدرًا للدعم التدريبي واللوجستي للعديد من الدول الإفريقية، بما في ذلك النيجر.
للاطلاع على معلومات إضافية حول سياسة الجزائر الإقليمية، يمكن الرجوع إلى: الجزائر – موقع وزارة الشؤون الخارجية
تأثيرات محتملة على قطاع الطاقة والتعاون الأمني
من المرجح أن يؤدي هذا التوتر إلى تقليص التعاون في مجال الطاقة بين البلدين، خاصة مع تصاعد الأهمية الاستراتيجية لمشاريع نقل الغاز الإفريقي إلى أوروبا. ويأتي ذلك في وقت حساس تشهد فيه المنطقة إعادة رسم التحالفات، بعد انسحاب فرنسا، وتصاعد الدور الروسي عبر شركات مثل فاغنر.
كما أن التعاون الأمني بين البلدين –الذي كان يعتمد على تنسيق استخباراتي مشترك على الحدود– مهدد بالانهيار، خاصة إذا استمرت الجزائر في اعتماد نهج الحزم تجاه اختراق أجوائها من طرف الدول المجاورة.
الموقف الرسمي الجزائري: صمت حذر
حتى لحظة كتابة هذا المقال، لم تصدر الجزائر بيانًا رسميًا بشأن طرد المتدربين النيجريين، ما يعكس ربما رغبة في إبقاء التصعيد تحت سقف مضبوط، لكن في الوقت ذاته، تشير المؤشرات إلى توجه نحو تضييق تدريجي للتعاون مع النيجر.
هل تسير الجزائر نحو قطيعة شاملة مع تحالف الساحل؟
حادثة الطرد، رغم رمزيتها، تعكس تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الجزائرية تجاه جيرانها في الساحل. لم تعد الدولة الجزائرية تكتفي بلعب دور الوسيط، بل أصبحت ترد ميدانيًا على ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن العلاقة بين الجزائر والنيجر تقف على مفترق طرق: إما العودة إلى مسار التهدئة والحوار، أو الدخول في قطيعة سياسية واقتصادية قد تؤثر على استقرار المنطقة برمتها.