اتفاق جزائري-موريتاني في مجال الدفاع… تعاون استراتيجي يتشكل في خضم أزمات إقليمية

في خطوة جديدة تؤكد التقارب المتزايد بين الجزائر وموريتانيا، وقع الفريق أول السعيد شنقريحة، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، ونظيره الموريتاني، حننه ولد سيدي ولد حننه، وزير الدفاع الوطني وشؤون المتقاعدين وأولاد الشهداء، اتفاق تعاون في مجال الدفاع، خلال زيارة رسمية يجريها الوفد الموريتاني إلى الجزائر. ويأتي هذا الاتفاق في سياق إقليمي حساس، يطغى عليه التوتر الدبلوماسي بين الجزائر من جهة، وكل من مالي والنيجر ومستعمرتها السابقة فرنسا من جهة أخرى.
تحالف دفاعي في وقت مفصلي
البيان الصادر عن وزارة الدفاع الجزائرية أشار إلى أن اللقاء بين الطرفين تناول “التطورات الأمنية في منطقة شمال أفريقيا والقارة عموماً”، مع تبادل وجهات النظر حول “مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك”، في حين تم توقيع اتفاق التعاون دون الكشف عن تفاصيله الدقيقة. ومع ذلك، فإن دلالات هذا الاتفاق تتجاوز الجانب البروتوكولي، وتعكس توجهاً جزائرياً لتعزيز محورها الإقليمي عبر شراكات متينة مع دول الجوار التي تتقاسم معها رؤى وتحديات مشتركة.
وفي هذا السياق، قال الفريق أول شنقريحة إن الجزائر وموريتانيا “تتقاسمان بحكم الروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية نفس الطموحات، ونفس التحديات”، مضيفاً أن “العلاقة الثنائية بين البلدين تُعد نموذجاً يحتذى به في التعاون والتكامل بين الدول العربية والأفريقية”.
موريتانيا: الشريك المناسب في التوقيت المناسب
ما يزيد من أهمية هذا الاتفاق هو توقيته، إذ جاء في ظل فتور واضح في العلاقات الجزائرية مع عدة أطراف إقليمية. العلاقة مع مالي تعرف توتراً متزايداً على خلفية ملف أزواد و إسقاط الطائرة المسيرة التابعة لمالي بداية الشهر الحالي ، وتدهورت مع النيجر التي استدعت سفيرها بالتزامن مع مالي حليفتها في تحالف دول الساحل ، فضلاً عن أزمة متواصلة مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، والتي تشهد علاقاتها بالجزائر فتوراً كبيراً في ملفات عدة أدت الى استدعاء طرد كل بلد 12 ديبلوماسي للأخرى ، منها الأمن في الساحل والتعاون العسكري.
في هذا الإطار، تبدو موريتانيا كطرف محوري يمكنه لعب دور موازن في المنطقة، فهي تتمتع بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف، وتحافظ على سياسة خارجية متوازنة. توقيعها على هذا الاتفاق مع الجزائر لا يمكن فصله عن هذا السياق، بل يعكس اصطفافاً محسوباً لصالح محور الاستقرار والحوار الأمني بعيداً عن التوترات الخارجية والضغوط الغربية.
آفاق التعاون العسكري بين البلدين
رغم أن تفاصيل الاتفاق لم تُكشف، فإن المراقبين يرون أنه قد يشمل مجالات عديدة، من التدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إلى التنسيق الأمني على الحدود، والتخطيط المشترك لمواجهة التهديدات في منطقة الساحل، وخاصة الإرهاب وتهريب السلاح والبشر. مشاركة وفد عسكري موريتاني رفيع المستوى في اللقاءات، إضافة إلى حضور قادة القوات الجزائرية ومديري الدوائر العسكرية، يعطي انطباعاً واضحاً بأن الاتفاق يتضمن أبعاداً تنفيذية وليس مجرد إعلان نوايا.
رسالة إلى الخارج: الجزائر تعيد رسم خارطة تحالفاتها
في خضم المتغيرات الإقليمية، يبعث هذا الاتفاق رسالة قوية بأن الجزائر بصدد إعادة ترتيب أوراقها الأمنية والدبلوماسية في الساحل وشمال أفريقيا. فرغم تعقيدات المشهد، تسعى الجزائر لقيادة محور استقرار إقليمي، بعيداً عن التدخلات الخارجية، خاصة الفرنسية منها، والتي باتت محل رفض شعبي ورسمي في العديد من دول المنطقة.
موريتانيا، من جهتها، تستفيد من تعزيز علاقاتها مع قوة عسكرية كبيرة في المنطقة مثل الجزائر، وتفتح لنفسها هامشاً أوسع للمناورة في سياستها الدفاعية.
ختاماً
يبقى اتفاق التعاون الدفاعي بين الجزائر وموريتانيا خطوة استراتيجية تُجسد وعياً متبادلاً بالتحديات المشتركة، وإرادة سياسية لبناء شراكة أمنية متينة قادرة على مواجهة التهديدات التي تتربص بالمنطقة. كما يمثل رسالة ضمنية إلى خصوم الجزائر الإقليميين والدوليين بأن البدائل متوفرة، والحلفاء الحقيقيين يأتون في اللحظات الحرجة.