صوت الحق
أخبار الساحل

الطائرة التي قصمت ظهر “الكونفدرالية” — بين سماء الجزائر وتراب أزواد

في عالم تتطاير فيه الشعارات أكثر من الطائرات، جاءت الطائرة المالية المسيّرة لتخترق السماء وتُسقط القناع. لم تكن مجرد طائرة، بل كانت «رسالة جوية» حملت في جناحيها ما عجزت بيانات الرؤساء عن التعبير عنه: أن كونفدرالية “الانقلاب الثلاثي” قد قررت رسميًا الاصطدام بالجار الثقيل.

سقطت الطائرة… فارتفعت النبرة.

من تنزواتين إلى العاصمة: سيادة بالأوامر عن بُعد

بحسب رواية باماكو، كانت الطائرة تؤدي «مهمة استطلاعية روتينية» فوق أراضيها عندما باغتتها صواريخ الدفاع الجوي الجزائري وأسقطتها “في عدوان غادر”، وكأن السيادة المالية باتت تُرصد بالطائرات الصغيرة وتُدافع عنها ببيانات هجومية. أما الجزائر، فردّت بصرامة: “الطائرة اخترقت أجواءنا مرتين، وعادت في مسار هجومي، فأسقطناها بكل السيادة والكرامة”.

وهكذا، أصبحت السيادة تقاس بالكيلومتر، وتُحدد حدودها بالرادار، ويدفع ثمنها المواطن المغلوب على أمره، الذي لم يفهم حتى الآن إن كان ما سقط في تنزواتين حطام طائرة، أم بقايا حلم إفريقي بالاستقلال عن التبعية الخارجية.

الجار المزعج أم الحليف الخائن؟

مالي، ومن ورائها النيجر وبوركينا فاسو، قررت فجأة أن الجزائر، التي كانت يومًا “الراعي الحريص”، باتت “الوسيط المتواطئ”. تُتهم الجزائر علنًا بحماية الإرهابيين، بل وتُوصف بأنها «قاعدة خلفية للجماعات المسلحة». كيف؟ ولماذا؟ لا أحد يجيب. لكن الواضح أن هذه الاتهامات جاءت بعد الفشل الذريع في “تحقيق الأمن بالمستأجرين”، واستيراد السلام من شركات القتال الخاصة.

يبدو أن الانقلابيين الثلاثة، وقد ضاقوا ذرعًا بانهيار حلمهم “الكونفدرالي”، قرروا صناعة عدو خارجي يبرر فوضاهم الداخلية، فاختاروا الجزائر. والحق يقال، الجزائر لا تبتسم كثيرًا، ولا تجامل، لكنها ليست مغفّلة في الجغرافيا ولا ساذجة في الجيوسياسة.

كونفدرالية الورق… تسقطها طائرة!

مشروع “الكونفدرالية” الذي حاولت باماكو ونيامي و واغادوغو تسويقه باعتباره استقلالًا عن “الإمبريالية الفرنسية”، بدأ يتحول تدريجيًا إلى عزلة إقليمية خانقة. وانسحاب مالي من لجنة الأركان المشتركة مع الجزائر ليس إلا سحبًا لما تبقى من أوراق التوت فوق هشاشة التنسيق الأمني.

لكن المفارقة الساخرة، أن من يدّعي أنه “يطارد الإرهاب” بطائرات تجسس، لا يستطيع تأمين نصف العاصمة ضد الانفجارات، وأن من يتهم الجزائر بالتواطؤ، يستعين بجماعات مرتزقة لا تملك لا دينًا ولا وطنًا ولا حتى عقيدة سياسية.

حين تتكلم الطائرات… تصمت الدبلوماسية

البيان الجزائري، وعلى غير عادة لغة الدبلوماسية، جاء ناريًا، حازمًا، مملوءًا بمرارة “الخيبة من الجيران”. الجزائر، وهي العريقة في دبلوماسية ضبط النفس، تحدثت هذه المرة بلغة “المعاملة بالمثل”، واستدعت سفراءها، وأرجأت اعتماد آخرين. بل ووصفت الحادث بأنه “عدوان عديم الحكمة”، ووجهت رسالة واضحة بأن الحياد الجزائري ليس ضعفًا، وأن الصبر له حدود تنتهي عند عتبة السماء الوطنية.

خاتمة: ما بعد الحطام… ليس كما قبله

لقد سقطت الطائرة، وسقط معها وهم “الإجماع الساحلي”. الجزائر، التي طالما لعبت دور الأخ الكبير، بدأت تعيد النظر في علاقتها مع جيران اختاروا الرعونة طريقًا، وركبوا غرور القوة المؤقتة. أما مالي، فبدل أن تبني جيشًا وطنيًا قادرًا على حماية ترابها، قررت أن تُلقي بطائرتها نحو جدار السيادة الجزائرية… فارتدت عليها الحطام، والدخان، والمزيد من العزلة.

وإن كانت هذه الطائرة مجرد بداية، فإن القادم أخطر، لأن منطقة الساحل لا تحتمل مغامرات الطائشين، ولا مزايدات من يبحثون عن “بطولات” تُصنع عن بُعد وتُسوّق بالبيانات.

صحفي مستقل

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

Slide Up
x