الجزائر ترد بأدلة دامغة على اتهامات باماكو: بيان ناري يكشف خفايا الأزمة مع مالي ودول الساحل
في تطور مفاجئ ومثير للتوتر في منطقة الساحل، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بيانًا رسميًا شديد اللهجة ترد فيه على ما وصفته بـ”الادعاءات الكاذبة والخطيرة” الصادرة عن الحكومة الانتقالية في مالي، وكذلك المواقف المنسجمة معها من قبل كل من النيجر وبوركينا فاسو، أعضاء كونفدرالية دول الساحل. وقد عبرت الجزائر عن ذهولها العميق واستيائها الشديد من هذه التصريحات والمواقف، مؤكدة أنها تمثل محاولة يائسة من السلطات المالية لتصدير أزمتها الداخلية وتحميل أطراف خارجية مسؤولية فشلها.
اتهامات مالية مرفوضة بشدة من قبل الجزائر
جاء في بيان الحكومة الجزائرية أن الحكومة الانتقالية في مالي وجهت اتهامات “خطيرة وكاذبة” ضد الجزائر، معتبرة أن هذه الادعاءات لا تُخفي سوى محاولة لصرف الأنظار عن “الفشل الذريع” لمشروع “انقلابي” تسبب في إدخال مالي في دوامة من الانعدام الأمني، والاضطراب السياسي، واليأس الشعبي.
وأكد البيان أن الجزائر ترفض تمامًا أن تكون “كبش فداء” لحكومة انتقالية فشلت على جميع الأصعدة: السياسية والاقتصادية والأمنية، مشيرًا إلى أن الإنجاز الوحيد الذي يمكن أن تدّعيه هذه الحكومة هو تحقيق “مصالح شخصية” لقادتها، على حساب مصالح الشعب المالي ومستقبله.
رد الجزائر على مزاعم دعم الإرهاب
وفيما يتعلق باتهام الجزائر بالتواطؤ مع الإرهاب، وصف البيان هذا الادعاء بأنه “يفتقر إلى الجدية لدرجة لا تستحق الرد”. وشددت الجزائر على أن سجلها في محاربة الإرهاب معروف ومشهود له، مؤكدًا أن الخطر الحقيقي الذي يهدد مالي اليوم هو عجز السلطة الانقلابية عن تحمل مسؤولياتها في مكافحة الإرهاب، واستعانتها بمرتزقة أجانب، في إشارة ضمنية إلى مجموعة “فاغنر” الروسية.
حقيقة حادثة الطائرة المسيرة
تطرق البيان أيضًا إلى حادثة إسقاط طائرة مسيرة مالية اخترقت المجال الجوي الجزائري في ليلة 31 مارس إلى 1 أبريل 2025، مشيرًا إلى أن:
- الحادث تم توثيقه بالكامل من قبل وزارة الدفاع الجزائرية، بما في ذلك صور الرادار.
- الحادث ليس الأول من نوعه، إذ سبق أن تم تسجيل حادثتين مماثلتين في 27 أغسطس و29 ديسمبر 2024.
- الطائرة اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة 1.6 كم عند الساعة 00:08 ليلاً، ثم غادرته لتعود مرة أخرى في مسار هجومي.
- وُصفت هذه المناورة بأنها عدوانية بوضوح، مما استدعى إصدار أوامر فورية من القيادة الجزائرية بتدميرها.
تحذير للدول المنضوية في كونفدرالية الساحل
أبدت الجزائر أسفها الشديد من انحياز كل من النيجر وبوركينا فاسو للموقف المالي، واعتبرته “اصطفافًا غير محسوب خلف أطروحات واهية”. كما أدانت بشدة اللغة المستخدمة ضد الجزائر، والتي وصفتها بـ”الجارحة وغير المبررة”، ورفضتها بأقصى درجات الحزم.
إجراءات دبلوماسية تصعيدية
وأمام هذا التصعيد، أعلنت الجزائر أنها ستطبق مبدأ المعاملة بالمثل، وأقرت بـ:
- استدعاء سفيريها في مالي والنيجر للتشاور.
- تأجيل اعتماد السفير الجزائري الجديد في بوركينا فاسو.
نص بيان وزارة الشؤون الخارجية
أخذت الحكومة الجزائرية علما ببالغ الامتعاض بالبيان الصادر عن الحكومة الانتقالية في مالي، وكذا بالبيان الصادر عن مجلس رؤساء دول اتحاد دول الساحل.ففي بيانها، وجهت الحكومة الانتقالية في مالي اتهامات خطيرة إلى الجزائر. وعلى الرغم من خطورتها، فإن كل هذه الادعاءات الباطلة لا تمثل إلا محاولات بائسة ويائسة لصرف الأنظار عن الفشل الذريع للمشروع الانقلابي الذي لا يزال قائما والذي أدخل مالي في دوامة من اللا أمن واللا استقرار والخراب والحرمان.وترفض الجزائر بقوة هذه المحاولات اليائسة التي تتجلى في مختلف السلوكات المغرضة التي لا أساس لها من الصحة والتي تحاول من خلالها الطغمة الانقلابية المستأثرة بزمام السلطة في مالي أن تجعل من بلدنا كبش فداء للنكسات والإخفاقات التي يدفع الشعب المالي ثمنها الباهظ.إن فشل هذه الزمرة غير الدستورية واضح وجلي على كافة المستويات السياسية منها والاقتصادية والأمنية.
فالنجاحات الوحيدة التي يمكن لهذه الزمرة أن تتباهى بها هي نجاحات إرضاء طموحاتها الشخصية على حساب التضحية بطموحات مالي، وضمان بقائها على حساب حماية بلادها، وافتراس الموارد الضئيلة لهذا البلد الشقيق على حساب تنميته.
إن مزاعم الحكومة المالية اليائسة بخصوص وجود علاقة بين الجزائر والإرهاب تفتقر إلى الجدية إلى درجة أنها لا تستدعي الالتفات إليها أو الرد عليها.فمصداقية الجزائر والتزامها وعزمها على مكافحة الإرهاب ليسوا بحاجة إلى أي تبرير أو دليل. ومن جانب آخر، فإن التهديد الأول والأخطر الذي يتربص بمالي يتمثل اليومفي عجز الانقلابيين عن التصدي الحقيقي والفعال للإرهاب، إلى درجة إسناد ذلك إلى المرتزقة الذين طالما عانت منهم القارة الإفريقية في تاريخها المعاصر.
إن قيام قوات الدفاع الجوي عن الإقليم بإسقاط طائرة مالية بدون طيار قد شكل موضوع بيان رسمي صادر في حينه عن وزارة الدفاع الوطني، وإذ تجدد الحكومة الجزائرية تمسكها بمضمون هذا البيان، فإنها تضيف ما يلي:
أولاً، جميع البيانات المتعلقة بهذا الحادث متوفرة في قاعدة بيانات وزارة الدفاع الوطني الجزائرية، ولا سيما صور الرادار التي تثبت بوضوح انتهاك المجال الجوي الجزائري
ثانيا، إن انتهاك المجال الجوي الجزائري من قبل طائرة مالية بدون طيار ليس الأول من نوعه، فقد سجلت ما لا تقل عن حالتين مماثلتين في غضون الأشهر القليلة الماضية، حيث تم تسجيل الانتهاك الأول بتاريخ 27 أوت 2024 والانتهاك الثاني بتاريخ 29 ديسمبر 2024 ووزارة الدفاع الوطني تحوز على كافة البيانات التي توثق هذين الانتهاكين.
ثالثا، فيما يتعلق بالحادث الذي وقع ليلة 31 مارس إلى 01 أفريل 2025، فإن جميع البيانات المتوفرة في قاعدة بيانات وزارة الدفاع الوطني، بما في ذلك صور الرادار، تظهر انتهاك المجال الجوي الجزائري المسافة 1.6 كم بالتحديد في الدقيقة الثامنة بعد منتصف الليل، حيث اخترقت الطائرة بدون طيار المجال الجوي الجزائري، ثم خرجت قبل أن تعود إليه في مسار هجومي.
رابعا، أدى دخول الطائرة المالية بدون طيار إلى المجال الجوي الجزائري وابتعادها ثم عودتها الهجومية إلى تكييفها كمناورة عدائية صريحة ومباشرة.وبناء عليه، أمرت قيادة قوات الدفاع الجوي عن الإقليم الجزائرية بإسقاطها.من جهة أخرى، تعرب الحكومة الجزائرية عن أسفها الشديد للانحياز غير المدروس لكل من النيجر وبوركينا فاسو للحجج الواهية التي ساقتها مالي.
كما تأسف أيضا للغة المشينة وغير المبررة التي استعملت ضد الجزائر والتي تدينها وترفضها بأشد العبارات.وفي الختام، تأسف الحكومة الجزائرية لاضطرارها إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل واستدعاء سفيريها في مالي والنيجر للتشاور وتأجيل تولي سفيرها الجديد في بوركينا فاسو لمهامهالجزائر، 07 أفريل 2025
خلاصة
هذا البيان يعكس حجم التدهور المتسارع في العلاقات الجزائرية المالية، والذي أصبح يشمل أيضًا شركاء مالي الجدد في الكونفدرالية الوليدة. ومما لا شك فيه أن هذه الأزمة تحمل أبعادًا أمنية وجيوسياسية خطيرة، خاصة في منطقة الساحل التي تشهد أصلاً توترًا متصاعدًا بفعل الانقلابات العسكرية وتنامي الجماعات الإرهابية.
وفي انتظار ردود فعل من باماكو ونيامي وواغادوغو، تبقى آفاق التهدئة ضبابية، في ظل تمسك كل طرف بروايته الخاصة، وغياب آليات إقليمية فاعلة للوساطة.