صوت الحق
أخبار أزواد

تحت تهديد بالسلاح ومهلة قصيرة: سكان فاتاكارا أمام خيار النزوح خلال 24 ساعة



في العاشر من مارس 2025، شهدت قرية فاتاكارا، الواقعة في بلدية تيلي ضمن دائرة غوندام في ولاية تمبكتو، حدثًا مأساويًا جديدًا يعكس حجم المأساة التي يعيشها سكان المنطقة. دخلت مجموعة من المسلحين إلى القرية، وأدوا الصلاة مع الأهالي، ثم أصدروا إنذارًا صارمًا يطالب جميع القرويين بمغادرة منازلهم قبل الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي. وكأن الأمر أصبح اعتياديًا، وجد السكان أنفسهم مرة أخرى مضطرين للفرار، تاركين وراءهم منازلهم وأراضيهم، ليصبحوا نازحين بلا مأوى أو مستقبل واضح.

الجيش المالي وفاغنر: فشل أمني أم تواطؤ؟

الواقع الميداني في غوندام ومناطق واسعة من أزواد  ومالي يكشف عن مشهد قاتم، حيث لم يعد التهديد الأمني محصورًا في طرف واحد، بل أصبح المدنيون بين مطرقة الجماعات المسلحة الإرهابية وسندان قوات الجيش المالي ومرتزقة فاغنر، الذين يُفترض أنهم مكلفون بحمايتهم. على الرغم من تزايد التهديدات وعمليات التهجير القسري، لم تقدم القوات المالية أي حماية تُذكر لسكان فاتاكارا، بل على العكس، ساهمت إلى حد كبير في زيادة حالة انعدام الأمن، من خلال عملياتها العسكرية العشوائية واستهداف المدنيين بذريعة محاربة الإرهاب.

مرتزقة فاغنر، الذين استُقدموا لتعزيز القدرات الأمنية في مالي، لم يحققوا أي استقرار حقيقي، بل زادوا من تعقيد المشهد الأمني، حيث ارتبط وجودهم بانتهاكات جسيمة ضد المدنيين، بما في ذلك القتل والاعتقالات العشوائية والتهجير القسري. وهكذا، أصبح السكان في وضع لا يختلف كثيرًا بين تهديد الجماعات المسلحة وبين عنف القوات التي يُفترض أنها تحميهم.

الأوضاع الإنسانية: أزمة تتفاقم بلا حلول

النزوح الجماعي لسكان فاتاكارا نحو مدينة غوندام يعكس جزءًا من أزمة إنسانية متفاقمة. النازحون يعانون من نقص شديد في المأوى والغذاء والخدمات الأساسية، فيما تبقى استجابة السلطات المالية والمنظمات الدولية غير كافية على الإطلاق. يواجه هؤلاء السكان معاناة يومية، حيث يعيشون في ظروف قاسية وسط غياب شبه تام لأي دعم مستدام يمكن أن يوفر لهم الحد الأدنى من الكرامة.

جمعية تمزوق: دعوات العودة بين الجهل والعبث

في ظل هذا الوضع المتردي، تبرز بعض الأصوات التي تدعو النازحين للعودة إلى قراهم، ومن بينها جمعية “تمزوق”، التي تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش في المنطقة. هذه الدعوات، التي لا تستند إلى أي تقدير حقيقي للأوضاع الأمنية، ليست سوى وصفة جديدة لكارثة إنسانية، حيث أن العودة إلى المناطق غير المؤمنة تعني ببساطة تعريض النازحين لمزيد من القتل والتهجير. إن تجاهل المعطيات الأمنية الخطيرة على الأرض والاكتفاء برفع شعارات جوفاء لن يسهم إلا في مضاعفة معاناة السكان، الذين باتوا يدركون جيدًا أن العودة دون ضمانات أمنية حقيقية ليست سوى خيار قاتل.

المستقبل الغامض: إلى أين؟

بين عمليات التهجير القسري، والفشل المستمر للجيش المالي ومرتزقة فاغنر في حماية السكان، ودعوات العودة غير الواقعية، يبقى مستقبل سكان فاتاكارا، مثل غيرهم من سكان المناطق المتضررة في غوندام ، غامضًا. لا يبدو أن هناك أي أفق لحل جذري ينهي هذه المعاناة، بل إن الأوضاع تزداد سوءًا مع مرور الوقت، مما يجعل الحاجة إلى تدخل دولي جاد أمرًا أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

خاتمة: الحاجة إلى مقاربة جديدة

ما يحدث في فاتاكارا ليس حالة معزولة، بل هو نموذج لما يجري في العديد من القرى والبلدات في أزواد و مالي. لا يمكن معالجة هذه الأزمة بمقاربات أمنية فاشلة أو دعوات غير واقعية، بل يحتاج الوضع إلى حلول جذرية تضمن حماية السكان وتوفير حياة كريمة لهم. يجب أن يكون التركيز على إيجاد استراتيجية حقيقية تضع المدنيين في صلب أي خطة أمنية، ولن تهدأ المنطقة إلا بعد حل واحد وهو استقلال أزواد.

Slide Up
x

صحفي مستقل

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

error: Content is protected !!