قطر ومالي: اتفاقية مالية مثيرة للجدل وسياق أزواد الغائب
في خطوة جديدة ضمن علاقاتها المتنامية مع مالي، وقّع وزير الدولة ووزير الخارجية القطري، الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، اتفاقية مع حكومة باماكو تمنح قطر بموجبها مساعدة مالية قدرها 25 مليار فرنك سيفا لصالح السلطات المالية. هذه الخطوة، التي قد تبدو في ظاهرها دعماً اقتصادياً، تطرح أسئلة جوهرية حول تداعياتها السياسية، خاصة في سياق الأزمة الأزوادية المستمرة، حيث تتجاهل الاتفاقية تمامًا الحقوق المشروعة لشعب أزواد الذي يعاني من القمع والتهميش الممنهج من قبل الحكومة المالية.
دلالات الاتفاقية: دعم مالي أم تعزيز للهيمنة؟
الاتفاقية بين قطر ومالي ليست مجرد صفقة اقتصادية، بل تحمل في طياتها أبعادًا سياسية خطيرة، خصوصًا إذا نظرنا إلى تاريخ التدخلات المالية القطرية في دول إفريقية أخرى، حيث كانت الدوحة دائمًا لاعبًا رئيسيًا في تحريك الديناميات السياسية والاجتماعية لصالح الحكومات المركزية، متجاهلة الأطراف الأخرى في النزاعات الداخلية.
مالي، التي تعيش حالة عدم استقرار منذ الانقلاب العسكري الأخير، تستفيد بشكل مباشر من هذه المساعدات لتعزيز موقفها الاقتصادي وربما تمويل عملياتها الأمنية والعسكرية ضد الجماعات الأزوادية التي تطالب بحقوقها التاريخية والمشروعة في الاستقلال أو الحكم الذاتي. وهذا يثير مخاوف من أن هذه الأموال ستُستخدم لتعزيز القمع العسكري في شمال مالي، بدلًا من دعم التنمية أو تحقيق العدالة والمصالحة.
أزواد: الغائب الأكبر عن أي دعم دولي
ما يثير الاستغراب هو أن مثل هذه الاتفاقيات تتجاهل بشكل متعمد مطالب الأزواد، وكأنهم ليسوا طرفًا أساسيًا في معادلة الاستقرار في المنطقة. فمنذ سنوات، يعاني سكان أزواد من القمع الحكومي ومنع وصول أي دعم دولي إليهم، سواء كان إنسانيًا أو اقتصاديًا، مما يزيد من معاناتهم ويدفع الكثيرين إلى التمرد أو الهجرة.
قطر، التي تدّعي في الكثير من المناسبات دعمها لحقوق الشعوب، لم تحرك ساكنًا عندما تعلق الأمر بأزواد، بل على العكس، وقفت في صف مالي دون أي محاولة لفرض حلول وسط أو دعم مبادرات سلام شاملة تأخذ بعين الاعتبار مطالب سكان الشمال.
لماذا تتجاهل قطر أزواد؟
هناك عدة تفسيرات لهذا الموقف القطري، منها:
- التحالفات الإقليمية: قطر تربطها علاقات قوية بالحكومة المالية، وربما ترى في دعم باماكو وسيلة لتعزيز نفوذها في غرب إفريقيا، دون الحاجة إلى الدخول في ملفات قد تضعها في مواجهة مع فرنسا أو الجزائر، القوى المؤثرة في المنطقة.
- المصالح الاقتصادية: الدوحة تسعى دائمًا إلى توسيع نفوذها الاقتصادي في إفريقيا، وهذه المساعدات قد تفتح لها أبواب الاستثمار في قطاعات حيوية داخل مالي، خاصة في مجال البنية التحتية والطاقة.
- الخطاب الرسمي المزدوج: قطر تحاول أن تلعب دور الوسيط في العديد من النزاعات حول العالم، لكنها عندما يتعلق الأمر بأزواد، فإنها تتجاهل قضيتهم تمامًا، ربما لأنها لا تريد إغضاب السلطات المالية أو شركائها الدوليين.
مستقبل أزواد في ظل هذا الدعم القطري لمالي
هذه الاتفاقية ليست سوى جزء من سلسلة تحركات دولية تهدف إلى إبقاء الوضع في أزواد على ما هو عليه، دون حلول جذرية أو اعتراف بحقوق السكان. وإذا لم يكن هناك تحرك قوي من القوى الإقليمية والدولية للضغط على مالي من أجل إيجاد حل عادل لأزواد، فإن الوضع سيزداد تعقيدًا، وقد نشهد تصعيدًا عسكريًا جديدًا في المنطقة.
قطر، كدولة تملك نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا، لديها القدرة على لعب دور إيجابي في حل القضية الأزوادية، لكنها اختارت، مرة أخرى، أن تكون جزءًا من المشكلة وليس الحل، عبر دعم حكومة مركزية تتجاهل الحقوق المشروعة لشعب أزواد.
الخلاصة
إن تقديم مساعدات مالية ضخمة لحكومة مالي دون أي شروط تتعلق بحقوق الإنسان أو حل النزاع في أزواد هو بمثابة ضوء أخضر لاستمرار القمع والتهميش في شمال مالي. وما لم يكن هناك ضغط دولي حقيقي لإجبار مالي على احترام التزاماتها تجاه أزواد، فإن مثل هذه الاتفاقيات لن تكون سوى وقود جديد لنار الأزمة المستمرة.