تياني وسباق اليورانيوم: جنرال يحكم بالمعادن ويقامر بالسيادة
النيجر، تلك الدولة الواقعة في قلب الساحل والصحراء، أصبحت اليوم محور اهتمام عالمي، ليس فقط بسبب مواردها الطبيعية، بل نتيجة تحولات سياسية واستراتيجية غير مسبوقة. هذا البلد، الذي لطالما ظل في دائرة النفوذ الغربي، يشهد تغيراً دراماتيكياً في تحالفاته وتوجهاته، ما يضعه في قلب الصراع الجيوسياسي العالمي الجديد.
إيران والنيجر: بداية العلاقة
بدأت أولى محاولات إيران للتغلغل في النيجر عام 1984، عندما سعت السلطة الإيرانية للتفاوض مع الحكومة النيجرية لشراء اليورانيوم المعالج بسعر أعلى من السوق العالمي. هذه الخطوة لم تكن فقط اقتصادية، بل جاءت في إطار إستراتيجية أوسع لتعزيز المد الشيعي في النيجر. وبالفعل، أثمرت هذه الجهود لاحقاً عن إنشاء جامعات ومدارس وحوزات شيعية، بالإضافة إلى مركز ثقافي يروج لأيديولوجيا “شيعة آل البيت”.
لكن العلاقات الإيرانية النيجرية تعرضت لضغوط كبيرة خلال عهد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حيث حاولت إيران مجدداً شراء اليورانيوم، إلا أن النيجر رفضت ذلك بسبب ارتباطها الوثيق بالدول الغربية التي كانت تفرض حظراً مشدداً على الأنشطة النووية الإيرانية.
مرحلة ما بعد بازوم: النيجر تنقلب على الغرب
مع سقوط الرئيس محمد بازوم في انقلاب عسكري واستيلاء الجنرال عبد الرحمن تيشاني على السلطة، شهدت النيجر تحولاً غير مسبوق. طردت الحكومة العسكرية القواعد الفرنسية والأمريكية، وسحبت الامتيازات من الشركات الغربية، وعلى رأسها شركة “أورانو” الفرنسية وشركة “جوفيكس” الكندية، اللتين كانتا تهيمنان على مناجم اليورانيوم في البلاد.
في خطوة لملء الفراغ الذي خلفه رحيل هذه الشركات، أنشأت النيجر شركتين وطنيتين: الأولى “مازوماوا الوطنية للذهب”، التي تعمل بالشراكة مع تركيا لإدارة قطاع الذهب والتعدين، والثانية “تيمرسوني الوطنية لليورانيوم”، التي أُسندت إليها مهمة تطوير قطاع اليورانيوم بالتعاون مع شركاء جدد، وعلى رأسهم روسيا وإيران.
التحالف الروسي الإيراني
مع دخول روسيا على خط التحالفات في النيجر، توسع نفوذها ليشمل القواعد العسكرية التي كانت تستخدمها الولايات المتحدة وفرنسا، مثل قاعدة “أفريكوم 201” في أكاديز والقاعدة الجوية 101 في العاصمة نيامي. هذا التحول أثار تساؤلات عديدة حول مدى عمق العلاقة الروسية الإيرانية في النيجر.
زيارة الحكومة النيجرية الجديدة إلى طهران مطلع العام الحالي جاءت لتؤكد هذا التعاون. إيران وعدت بدفع 56 مليون دولار لدعم الحكومة النيجرية في مواجهة العجز الذي سيخلفه انسحاب الشركات الغربية، مع تقديم الدعم الفني واللوجستي عبر خبراء إيرانيين وروس.
تساؤلات حول صفقة اليورانيوم
في يونيو الماضي، ترددت أنباء عن استلام النيجر المبلغ المتفق عليه من إيران عبر قنوات روسية، في صفقة وُصفت بالسرية. اللافت أن الزيارة التي قام بها وفد عسكري روسي برفقة خبراء إيرانيين للعاصمة نيامي جاءت في توقيت حرج، حيث يُعتقد أنهم ناقشوا تفاصيل تسليم 300 طن من اليورانيوم المعالج لإيران.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فقد شهد الشهر الجاري مرور وفد إيراني عبر النيجر قادماً من دولة إفريقية حليفة لروسيا وإيران، حيث عقد لقاءات عاجلة مع مسؤولين نيجريين. هذه التحركات تثير تساؤلات حول مدى تورط النيجر في تزويد إيران باليورانيوم، ومدى تأثير ذلك على التوازنات الإقليمية والدولية.
ما وراء اللعبة
في ظل هذا التحول الجيوسياسي، يبدو أن النيجر تعيد رسم خارطة التحالفات الدولية في الساحل والصحراء. انسحاب الغرب من قواعده العسكرية في البلاد وتوسع النفوذ الروسي التركي والإيراني يشير إلى أن المنطقة أصبحت جزءاً من “معادلة جديدة” تُرسم ملامحها بعد أزمة أوكرانيا وتغيرات الشرق الأوسط.
النيجر اليوم ليست مجرد دولة منتجة لليورانيوم، بل باتت مركزاً لصراع النفوذ بين الشرق والغرب. فهل ستنجح في الحفاظ على سيادتها واستقلال قرارها، أم أنها ستصبح رهينة التحالفات الجديدة؟ الأيام وحدها ستكشف الإجابة.
المصدر: محمدن ايب ايب