تحالف دول الساحل يختار التبعية لروسيا ويتخلى عن الوحدة الأفريقية.
في خطوة تعكس تصعيدًا جديدًا نحو التقرب من النفوذ الروسي، أعلنت دول تحالف الساحل، المتمثلة في مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، عن إنشاء كونفدرالية دول الساحل (AES) بعد انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) في يناير 2024. وبرغم أن قادة هذه الدول يروجون لهذه الخطوة باعتبارها مسارًا نحو تحقيق سيادة حقيقية لشعوبهم ومواجهة ما وصفوه بالإمبريالية والنيوكولونيالية، إلا أن الواقع يشير إلى اعتماد هذه الدول بشكل كامل على روسيا، سياسيًا وعسكريًا، عبر مرتزقة فاغنر الذين جلبتهم هذه الأنظمة لفرض سيطرتهم وقتل المدنيين العزل.
تصعيد تحت غطاء السيادة والاستقلال
أعلنت هذه الدول رفع جاهزية قواتها الأمنية والعسكرية إلى أقصى درجات التأهب، وتحويل منطقة التحالف إلى مسرح موحد للعمليات العسكرية. إلا أن هذه القرارات، التي تُقدَّم كخطوات لتحقيق استقلالية مزعومة، تكشف عن هيمنة روسيا على هذه الأنظمة العسكرية. فمنذ أن بدأت مالي بالتعاون مع مرتزقة فاغنر الروس، تبعتها بوركينا فاسو والنيجر في السير على النهج نفسه، مما جعل القرارات الاستراتيجية لهذه الدول مرهونة بمصالح موسكو.
هل تخدم هذه السياسات السكان؟
بعيدًا عن الشعارات المرفوعة، فإن السياسات التي يتبعها تحالف الساحل قد تحمل آثارًا كارثية على السكان:
1. اقتصاديًا:
الانسحاب من الإيكواس يعني خسارة سوق اقتصادي واسع ومنظومة تعاونية إقليمية توفر دعمًا ماليًا ولوجستيًا. هذا القرار يعمق العزلة الاقتصادية ويزيد من معاناة السكان، الذين يعانون بالفعل من فقر مدقع وأوضاع معيشية هشة. كما أن التهديد بفرض تأشيرات دخول على سكان التحالف من قِبل الإيكواس سيزيد من عزلة هذه الدول.
2. أمنيًا:
بينما يزعم التحالف أنه يركز على محاربة الإرهاب، فإن الواقع يظهر عكس ذلك. فوجود مجموعات مرتزقة كفاغنر، المعروفين بارتكابهم انتهاكات جسيمة، يعرض السكان لمزيد من الجرائم والعنف. بالإضافة إلى ذلك، فإن التصعيد العسكري قد يزيد من التوترات الداخلية، خاصة في النيجر وبوركينا فاسو، حيث يمكن أن يطالب الطوارق في النيجر بالانفصال إذا استمرت الهجمات ضد أزواد في إطار هذا التحالف.
3. اجتماعيًا:
السياسات العدائية ضد الإيكواس قد تزيد من الانقسامات داخل المجتمعات المحلية، حيث يرى العديد من المواطنين في الإيكواس جهة داعمة للاستقرار. وفي المقابل، فإن النفوذ الروسي عبر فاغنر يعمق التوترات المجتمعية، ويزيد من انعدام الأمن والخدمات الأساسية.
الإيكواس وتحالف الساحل: صراع النفوذ أم مصلحة الشعوب؟
مع تصاعد التوتر بين الإيكواس وتحالف الساحل، يبدو أن الصراع يدور حول النفوذ أكثر من كونه يسعى لتحقيق مصلحة السكان. ففي حين توفر الإيكواس آليات للتعاون الاقتصادي والأمني، يعمق تحالف الساحل اعتماده على روسيا، مما يزيد من عزلته الإقليمية ويعرضه لخطر الانهيار الداخلي.
الخلاصة
رغم الترويج لاستقلالية تحالف الساحل، إلا أن الواقع يكشف أن هذه الدول بعيدة كل البعد عن السيادة الحقيقية. فقد أصبحت الأنظمة العسكرية في هذه الدول رهينة للنفوذ الروسي، الذي يهيمن سياسيًا وعسكريًا عبر مرتزقة فاغنر. هذه السياسات لا تخدم شعوب التحالف، بل تزيد من معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتعرضهم لمزيد من الانتهاكات والعنف.
في النهاية، يبقى السؤال: هل يمكن لتحالف الساحل أن يستمر تحت الهيمنة الروسية دون أن يدفع السكان ثمنًا باهظًا؟ أم أن هذا التحالف سيعجل بانهيار المنطقة التي باتت ساحة جديدة للصراعات الدولية؟