“ترقية العسكريين واستهداف المدنيين في مالي: بين تثبيت السلطة وتصاعد الانتهاكات”
في 21 أكتوبر 2024، وقعت أحداث مؤلمة في مالي، حيث تجمع بين استعراض القوة العسكرية من قبل الحكومة المالية والانتهاكات الصارخة لحقوق المدنيين. تأتي هذه الأحداث في ظل حكم الطغمة العسكرية التي استولت على السلطة في مالي، والتي تحاول منذ استلامها زمام الأمور إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية لضمان ولاء الجنرالات وتثبيت قبضتها على البلاد.
ترقية العسكريين: خطوة نحو تعزيز السلطة
في باماكو، العاصمة المالية، شهدت البلاد احتفالاً كبيراً بترقية كبار العسكريين، وهو إجراء يُعد جزءاً من الخطة الأوسع للحكومة الانقلابية لتوطيد سلطتها وتعزيز سيطرتها على الجيش. هذه “الهندسة العسكرية” المدروسة تهدف إلى تحويل هيكل القيادة العليا للقوات المسلحة لضمان ولاءها للنظام الحاكم، وهي خطوة تحمل دلالات واضحة على أن الحكومة تسعى لتعزيز نفوذها والاستمرار في فرض سلطتها باستخدام القوة.
هذه الترقية ليست مجرد إجراء إداري، بل تحمل رسائل سياسية واستراتيجية واضحة. الحكومة المالية الحالية التي استولت على السلطة بالقوة تسعى لضمان استمرارية حكمها من خلال بناء شبكة قوية من الجنرالات الموالين لها، ما يعكس رغبة النظام في قمع أي معارضة داخلية قد تنشأ من داخل المؤسسة العسكرية. فالترقيات تمثل محاولة لتعزيز تحالفات السلطة وتفادي أي انشقاقات محتملة قد تهدد بقاء النظام.
استهداف المدنيين: المجزرة في تمبكتو
بينما كانت الحكومة تحتفل بترقية جنرالاتها في العاصمة، ارتكبت القوات الجوية المالية مجزرة مروعة في قرية إناجتفى، التابعة لولاية تمبكتو. في هجوم مدبر، أطلقت طائرة مسيرة تركية الصنع ثلاثة صواريخ استهدفت سوقاً شعبياً، مما أدى إلى مقتل 10 أشخاص، بينهم 6 أطفال وامرأة، وإصابة 9 آخرين. الحادثة أسفرت أيضًا عن دمار واسع في الممتلكات، بما في ذلك تدمير سيارات ودراجات نارية.
الهجوم الذي استهدف مدنيين عزل في مكان عام يمثل انتهاكًا صارخًا لكل القوانين والمواثيق الدولية. استخدام الطائرات المسيرة في هذه العملية يعكس طبيعة الصراع القائم في مالي، حيث يعتمد النظام الحاكم على التكنولوجيا الحديثة لقمع المعارضة واستهداف المدنيين بشكل متعمد. هذا الاعتداء الوحشي على المدنيين يشير إلى الاستراتيجية التي تتبعها الحكومة لقمع أي حركة مقاومة، ويظهر مدى التحدي الذي تواجهه من الجماعات المسلحة المنتشرة في شمال البلاد.
الجرائم الممنهجة: إستراتيجية الإبادة
الهجوم على المدنيين في تمبكتو ليس حادثة منعزلة، بل يأتي في إطار سلسلة من الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة المالية ضد المدنيين العزل. هذه الجرائم المتكررة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حيث يتم استهداف فئات معينة من السكان بشكل ممنهج.
الهدف من هذه العمليات واضح: إخضاع المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة بالقوة، وبث الرعب في نفوس السكان لمنعهم من دعم أي حركات معارضة. هذا الأسلوب يعكس ضعف الحكومة الاستراتيجي وفشلها في إدارة الصراع على المستوى العسكري والسياسي. بدلًا من معالجة جذور المشاكل والتوصل إلى حلول سلمية، تواصل الحكومة استخدام القوة العنيفة كوسيلة لقمع المعارضة والبقاء في السلطة.
الدعوة إلى مقاومة الطغمة العسكرية
في ظل هذه الانتهاكات، تبرز دعوات متزايدة من داخل مالي وخارجها لتوحيد الصفوف ومقاومة النظام الحاكم. البيان الصادر عن جهات معارضة دعا الشعب المالي، وخاصة في مناطق الشمال والساحل، إلى التصدي بحزم لهذه الحكومة ووقف تجاوزاتها بحق المدنيين. التركيز على ضرورة تكاتف الجهود من قبل جميع طاقات الأمة يعكس اليأس الذي يشعر به الكثيرون جراء فشل المجتمع الدولي في التدخل لوقف هذه الجرائم.
في الختام: أي مستقبل ينتظر مالي؟
مالي تقف اليوم عند مفترق طرق، حيث تتقاطع السياسات العسكرية القمعية مع مطالب الشعب بالحريات والعدالة. النظام الحاكم الذي يعتمد على ترقية عسكرييه لضمان استمراره قد ينجح مؤقتًا في الحفاظ على السلطة، ولكن على المدى الطويل، فإن استمرار هذه الانتهاكات بحق المدنيين سيزيد من تأجيج الصراع الداخلي. إذا لم تتغير السياسات الحالية ولم يتم فتح باب الحوار بين الأطراف المتنازعة، فقد تواجه مالي مصيرًا أكثر دموية وتفككًا.
المجتمع الدولي والهيئات الحقوقية مطالبة اليوم بالتحرك العاجل لوقف هذه الجرائم وضمان محاسبة مرتكبيها. التدخل الخارجي قد يكون ضروريًا في حالة عدم قدرة الأطراف الداخلية على التوصل إلى حلول سلمية. ولكن يبقى الخيار الأفضل هو أن تسعى جميع الأطراف في مالي إلى حوار حقيقي ومصالحة وطنية تضع حدًا للمعاناة وتؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والسلام.