مراسم الأوسمة في مالي: استعراض فخم لتكريس هيمنة الانقلابيين على السلطة
تستعد مالي لتنظيم عرض احتفالي فاخر، مغلف بالأبهة والمظاهر البرّاقة، وذلك في مراسم تسليم الأوسمة والرتب العسكرية للجنرالات، تحت رعاية من أصبح رمزًا للسلطة المطلقة في البلاد، الجنرال أسيمي غويتا، الرئيس الانتقالي الذي وصل إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري. في مشهد يعيد للأذهان كل ما يمكن أن تثيره مشاهد القوة المفروضة من فوق، سيتكرس الرجل في منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في وقت يراقب فيه الشعب من بعيد، وقد غُيّب صوته منذ زمن.
الموعد والمكان:
الحدث سيُقام يوم الإثنين 21 أكتوبر 2024، في قاعة المآدب بقصر كولوبا، الذي بات مقرًّا لهذه الفعاليات التي تملأ حياة الانقلابيين، وكأن إدارة الدولة لا تُقاس إلا بعقد الاحتفالات والمراسم الباذخة. الساعة الثالثة بعد الظهر هي التوقيت المحدد لبداية الحفل، ولكن الاستعدادات ستبدأ مبكرًا لضمان أن كل شيء يسير كما ينبغي أمام الكاميرات، وكل ذلك ليظهر المشهد في أبهى صورة أمام الموالين والمصفقين.
سيناريو المشهد الاحتفالي:
الساعة 14:00: انتهاء التجهيزات، والجميع في أماكنهم، ليس حبًا في الحدث، بل خوفًا من غضب النظام.
الساعة 14:45: وصول الجنرال مالك دياو، رئيس المجلس الانتقالي، الرجل الذي يشارك في تقاسم كعكة السلطة مع غويتا، وكأن الشعب لم يكن يستحق اختيار قيادته بشكل ديمقراطي.
الساعة 14:50: وصول الدكتور شوغيل كوكالا مايغا، رئيس الوزراء، في مشهد يتجلى فيه تحالف المدنيين مع العسكر، ذلك التحالف الذي جعل من حكم البلاد لعبة في أيدي أصحاب البذلات العسكرية.
سيتم استقبال كل هذه الشخصيات الرفيعة من قِبل مجموعة من كبار موظفي الدولة الذين يتفننون في خدمة السلطة على حساب الشعب، وفي مقدمهم:
الأمين العام لرئاسة الجمهورية.
مدير ديوان الرئاسة.
المستشار الأكبر للأوسمة الوطنية.
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.
ثم، وفي الساعة 14:55، ستشهد القاعة وصول “الرئيس” الذي فرض نفسه على المشهد السياسي بحد السلاح، الجنرال أسيمي غويتا، محاطًا بكل أشكال الاحتفاء المبالغ فيه، وكأن هذا الحدث كافٍ ليمنحه شرعية تُكتسب عادة من صناديق الاقتراع، وليس من مدافع الدبابات.
لحظات “المجد” الزائف:
بعد أن يُعزف النشيد الوطني، في محاولة بائسة لإضفاء مسحة وطنية على ما هو في جوهره استعراض للقوة، سيقدم المذيع الرسمي البرنامج عند الساعة 15:00، متجاهلًا كل ما يدور في البلاد من أزمات حقيقية.
في الساعة 15:05، سيقوم المستشار الأكبر للأوسمة بتقديم الأوسمة للجنرال غويتا، الذي يبدو أنه لم يتبق له سوى وسام “الإنقاذ الوطني” الذي يمنحه هو لنفسه، بعد أن احتكر كل المناصب والمكافآت.
ثم، في الساعة 15:15، تتوقف المراسم للحظات قصيرة، كي يُسمح للجميع بالتقاط الأنفاس والتأمل في مشهد التمجيد المتواصل للسلطة المطلقة.
الساعة 15:25 ستشهد تثبيت غويتا مجددًا في منصبه كـ”قائد أعلى للقوات المسلحة”، رغم أن الجميع يعلم أن هذا المنصب قد ثُبّت بالقوة منذ اليوم الأول للانقلاب.
ثم، في الساعة 15:30، سيبدأ الجنرال في تسليم الأوسمة والرتب للجنرالات الجدد، في عرض عسكري لا معنى له سوى تعزيز سلطة العسكر، وكأن هذه الأوسمة تمنحهم حق التحكم في مصير البلاد. تنتهي هذه المهزلة عند الساعة 16:35، حيث سيلقي المتحدث باسم المكرّمين كلمة شكر معدة مسبقًا، يذكر فيها الوطنية والتضحية، وهي الكلمات التي فقدت معناها في ظل حكم الانقلابيين.
النهاية البائسة:
يُختتم الحفل بصورة جماعية تُظهر هذه الكتيبة التي تمسك بزمام الأمور، بينما يراقب الشعب من بعيد، دون أي كلمة أو تمثيل. بعد الصورة، يُقام حفل استقبال ختامي حيث يختلط المصفقون ببعضهم، وكأنهم نسوا أن الشعب يعاني في الخارج.
الساعة 17:00: يغادر الجنرال غويتا المكان، وقد أضاف إلى سجله احتفالًا آخر يجسد كيف تدار السلطة من فوق، بعيدًا عن إرادة الشعب.
تأتي هذه المراسم لتؤكد أن الجنرال أسيمي غويتا وأعوانه يواصلون حكم البلاد كما لو كانت ملكًا شخصيًا لهم، دون أي اعتبار لإرادة الشعب أو تطلعاته نحو الحرية والديمقراطية. هو مشهد يعكس واقعًا مريرًا، حيث تحولت مراسم التكريم إلى رمز لاستمرار هيمنة العسكر في المشهد السياسي، على حساب كل ما يُفترض أن تحمله الجمهورية من قيم.