إسقاط الجنسية في النيجر: قمع سياسي تحت ستار الحفاظ على الأمن والاستقرار
منذ انقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا في النيجر، محمد بازوم، أصبحت النيجر مسرحًا لأحداث تراجيدية وكوميدية على حد سواء، تجمع بين الفوضى والعبث السياسي. من بين تلك الأحداث الأخيرة، قرار إسقاط الجنسية عن بعض الشخصيات المؤثرة في البلاد، خاصة من المقربين من الرئيس المخلوع. هذا القرار أثار السخرية والنقد، إذ يعتبر خطوة غير مسبوقة في السياسة النيجرية، ويُعَد مثالًا على الانزلاق نحو التعسف السياسي.
خلفية الأحداث: الانقلاب العسكري في النيجر
في صباح هادئ، أطاح الجنرال عبد الرحمن تياني بالرئيس محمد بازوم، الذي كان قد عينه شخصيًا على رأس حرسه الخاص، لكن هذه الثقة كانت للأسف السبب في سقوطه. بعد هذا الانقلاب، بدأت السلطات الجديدة في النيجر باتخاذ إجراءات غير تقليدية لمحاربة معارضيها، وأصبحت البلاد محل اهتمام وانتقادات واسعة على الصعيد الدولي بسبب الانتهاكات الصارخة للحقوق الأساسية.
من بين هذه الإجراءات، كان إسقاط الجنسية عن تسع شخصيات بارزة من النظام السابق والمعارضة، ومنهم ضباط في الجيش ومستشارون رفيعو المستوى وصحفيون، بالإضافة إلى شخصيات عامة مؤثرة على المنصات الرقمية.
الشخصيات المستهدفة بقرار إسقاط الجنسية
تضم قائمة الأشخاص المستهدفين بالقرار كلًا من الجنرالين محمدو أبو تركة وكارينغاما والي إبراهيم، وهما من كبار القادة العسكريين في النيجر. كما يشمل القرار الكولونيل هارونا غازوبي، مساعد رئيس الجمهورية السابق، بالإضافة إلى المستشار الأمني للرئيس، رحيسة أغ بولا، وعدد من الشخصيات المدنية مثل الصحفي عبد القادر محمد، المعروف بـ”ماي داليللي”.
ومن اللافت أن الشخصيات التي تم استهدافها هي من التي تملك تأثيرًا كبيرًا في الأوساط العسكرية والمدنية على حد سواء، وهو ما يعكس نية النظام العسكري في كبح جماح المعارضة وإسكات الأصوات الناقدة. كما أن الشخصيات المستهدفة قد اتهمت بتهم خطيرة مثل “التآمر” و”الخيانة” و”التعاون مع قوى أجنبية”، وهي تهم غالبًا ما تُستخدم لتبرير القمع في الأنظمة الاستبدادية.
نقد الإجراءات وتداعياتها
القرار الأخير بإسقاط الجنسية ليس إلا جزءًا من سلسلة إجراءات قمعية اتخذتها السلطات العسكرية منذ استيلائها على السلطة، ويُعد خرقًا فادحًا لحقوق الإنسان. هذا القرار يعتبر سابقة في التاريخ السياسي النيجرى، حيث لم يُعرف من قبل أن حكومة أو سلطة قامت بسحب جنسية مواطنيها بسبب معارضتهم لها.
ومن المثير للسخرية أن السلطات العسكرية لم تستهدف المجموعات المسلحة التي تهدد الأمن القومي بشكل مباشر، بل ركزت جهودها على الشخصيات المدنية التي تستخدم وسائل التعبير السلمي والانتقاد العلني.
هذه الإجراءات تعكس حالة من الهلع والارتياب التي تعيشها السلطات الحالية في النيجر، حيث ترى في كل صوت معارض تهديدًا مباشرًا لبقائها في السلطة.
النظام العسكري والأزمة السياسية في النيجر
منذ وصوله إلى السلطة، لم يتمكن الجنرال تياني من إقناع المجتمع الدولي أو الشعب النيجري بشرعية حكمه. ورغم كل الجهود المبذولة للترويج لصورته كحامي للأمن والاستقرار، إلا أن القرارات مثل إسقاط الجنسية تزيد من عزلة النظام وتعزز من صورة الحكم العسكري كقوة قمعية وغير شرعية.
النظام العسكري في النيجر يعتمد بشكل كبير على القوة والقمع لضمان بقائه في السلطة، ولكنه يغفل أن هذه الأساليب غالبًا ما تؤدي إلى تأجيج الصراعات الداخلية وزيادة الاستياء الشعبي، مما يمهد الطريق لمزيد من الانقسامات والاضطرابات.
مستقبل النيجر في ظل الحكم العسكري
من المؤكد أن الإجراءات القمعية التي تتخذها السلطات العسكرية في النيجر لن تسهم في تحقيق الاستقرار المنشود. بل على العكس، فإن إسكات الأصوات المعارضة وتهميش الشخصيات البارزة سيؤدي إلى تعميق الأزمة السياسية ويزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد.
المستقبل في النيجر يبدو غامضًا في ظل استمرار الحكم العسكري وتجاهله لأساسيات الديمقراطية وحقوق الإنسان. والأمل الوحيد يكمن في تحرك المجتمع الدولي والشعب النيجري من أجل استعادة الشرعية وإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح.