فشل القافلة العسكرية في كيدال: انسحاب مفاجئ يعكس تعقيدات الصراع في شمال مالي
مدينة كيدال الواقعة في شمال مالي، هي واحدة من أكثر المناطق توترًا وحساسية في البلاد. وعلى مدار السنوات الماضية، كانت ساحة للعديد من النزاعات المسلحة، سواء بين الجماعات المسلحة المحلية أو مع القوات الحكومية والدولية. في الفترة الأخيرة، ظهر في المشهد خبر مهم يتعلق بقافلة عسكرية توصف بـ “القافلة المخيفة”، ويبدو أن هذه القافلة بدأت تظهر علامات على الفشل أو الانسحاب من مهمتها التي كانت تهدف إلى الوصول إلى منطقة تينزاواتن.
بداية القافلة والمعلومات الخاطئة
أكثر من أسبوع مضى منذ مغادرة القافلة لمدينة كيدال باتجاه تينزاواتن، حيث كانت تعتمد على معلومات استخباراتية تفيد بوجود جثث لمرتزقة روس في موقع مذبحة حدثت في 27 يوليو. لكن بعد الوصول إلى الموقع، تبين أن هذه المعلومات كانت غير دقيقة. كان لهذا الخطأ الاستخباراتي أثر بالغ على الجنود المشاركين في العملية، الذين كانوا يتوقعون العثور على دليل حاسم على نجاح العمليات السابقة.
الإحباط المتزايد والاحتقان الداخلي
مع اكتشاف خطأ المعلومات الاستخباراتية، بدأت وسائل الاتصال اللاسلكي الخاصة بالقافلة تتداول شتائم وإهانات مستمرة باللغة الروسية، تعبيرًا عن غضب الجنود والمرتزقة من مشغليهم في الكرملين ومن القادة المحليين الذين يديرون العمليات العسكرية. وقد وصلت الأمور إلى حد أن الجنود بدؤوا في التنافس على من يستخدم أكثر الألفاظ جرحًا وإهانة. حتى الجهات الداعمة، مثل African-Corps، والتي تشارك بشكل غير مباشر في العملية، لم تكن بمنأى عن موجة الانتقادات المتزايدة.
الإهانات لم تتوقف عند الألفاظ الجارحة فقط، بل شملت أيضًا الشتائم العنصرية الموجهة إلى الداعمين الماليين لهذه العمليات، وخاصة الحكومة المالية التي تتخذ من كولوبا مقرًا لها. في الوقت ذاته، يبدو أن المعنويات كانت تتدهور مع استمرار الجنود في العمل تحت ظروف قاسية، حيث أن المنطقة الجبلية المعروفة بـ أداغ تضفي جوًا عدائيًا وظروفًا بيئية قاسية تزيد من صعوبة المهمة.
تأثير الكحول على معنويات الجنود
من المعروف أن الجنود، خاصة المرتزقة، في مثل هذه العمليات غالبًا ما يعتمدون على الكحول لتهدئة أعصابهم وتجاوز الظروف الصعبة. ولكن في هذه الحالة، لم تعد الكحوليات مثل الفودكا كافية لتهدئة الوضع. فحتى مع تواجدها، لم يكن بإمكان الجنود التغاضي عن الأخطاء الاستخباراتية والظروف العصيبة التي يمرون بها في تلك المنطقة. ومع تزايد التوتر، أصبحت الأوضاع أكثر تفاقمًا.
التراجع المفاجئ للقافلة
وفي صباح أحد الأيام، قررت القافلة بشكل مفاجئ التراجع عن وجهتها إلى تينزاواتن، متجاهلة أولئك الذين تأخروا أو الذين تعطلت مركباتهم. بدا القرار وكأنه إشارة إلى فشل المهمة أو على الأقل تأجيلها حتى إشعار آخر. تشير التقارير إلى أن محركات المركبات بدأت تعاني من شدة الطريق وتراكم الضغوط، مما أثر على قدرة الجنود على المضي قدمًا في مهمتهم.
بعض المشاركين في القافلة كانوا يحاولون العودة إلى مخابئ كانت تابعة لبعثة الأمم المتحدة (مينوسما) في كيدال، التي انسحبت منها القوات الدولية في وقت سابق. ومع انسحاب هذه القوات، أصبحت المنطقة أكثر عرضة للصراعات بين القوات المحلية والجماعات المسلحة.
دور القوات الروسية والمالية
الجنود الروس، الذين يُشار إليهم في بعض الأحيان باسم “الروسكوف”، كانوا يقاتلون جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة المالية (FAMA) في محاولة لاستعادة السيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية في كيدال. يبدو أن العلاقة بين الطرفين متوترة، حيث لا توجد انسجام تام بين الجنود الروس والجنود الماليين، وهو ما يظهر جليًا في التوترات والانتقادات المتبادلة.
دلالات سياسية وعسكرية
يبدو أن هذه الأحداث تشير إلى تعقيدات أعمق تتعلق بالدور الروسي في مالي. منذ انسحاب القوات الفرنسية والدولية، تسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في المنطقة من خلال تقديم الدعم العسكري للحكومة المالية. لكن التوترات الأخيرة تعكس أن هذا الدعم قد لا يكون سلسًا كما يبدو، وأن هناك مشاكل في التنسيق بين المرتزقة الروس والقوات المحلية.
من جهة أخرى، يمكن النظر إلى هذه الأحداث باعتبارها جزءًا من الصراع الأكبر على النفوذ في منطقة الساحل. فالحكومة المالية، بقيادة الرئيس المؤقت عصيمي غويتا، تحاول الحفاظ على سيطرتها في المناطق الشمالية، التي كانت تاريخيًا معقلًا للتمرد والجماعات المسلحة. لكن التحديات اللوجستية والاستخباراتية، إلى جانب الظروف البيئية القاسية، تجعل من الصعب تحقيق تقدم ملموس.
الخلاصة: الحاجة إلى إعادة التفكير في الاستراتيجية
يبدو أن القافلة العسكرية التي انطلقت من كيدال إلى تينزاواتن قد واجهت صعوبات لم تكن متوقعة، مما أدى إلى انسحابها في نهاية المطاف. هذه الأحداث تلقي الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها القوات العسكرية في مالي، سواء كانت محلية أو مدعومة من الخارج.
وفي هذا السياق، قد يكون من الضروري أن تتدخل السلطات العليا، بما في ذلك الرئيس المالي المؤقت عصيمي غويتا، لإعادة تقييم الاستراتيجية المتبعة في الشمال. فمع تصاعد التوترات واستمرار الأخطاء الاستخباراتية، قد تكون هناك حاجة إلى مقاربة جديدة تستند إلى تنسيق أفضل بين القوات المحلية والداعمين الدوليين، مع أخذ الظروف المعقدة في المنطقة بعين الاعتبار.