من ساحة المعركة إلى طاولة المفاوضات: كيف تحولت الحكومة المالية من مكافحة الإرهاب إلى التعاون معه؟
لقد اتخذت الحكومة العسكرية المالية قرارًا مثيرًا للجدل ينم عن ضعف وانعدام الخيارات، ما يتناقض مع تصريحاتها العلنية حول الدفاع عن السيادة الوطنية ومحاربة الجماعات المسلحة التي وصفتها بأنها العدو الأول للدولة. في خطوة تُظهر هذا التناقض، أكد فهد أغ المحمود، القيادي في الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي، أن المجلس العسكري الحاكم في مالي أفرج عن اثنين من قيادات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بهدف المصالحة مع هذه الجماعة الإرهابية.
وأضاف المحمود أن المجلس العسكري يعيش حالة من الارتباك بين الشعبوية والواقع المعقد على الأرض، مشيرًا إلى أن الحكومة العسكرية أفرجت عن محمد علي ولد محمد وركاني ولد أبو بكر، وهما من قيادات داعش في منطقة الساحل. وذكر أن هذين القائدين وصلا إلى مدينة غاو عبر رحلة جوية تابعة للجيش المالي، مشددًا على أن مهمتهما الحالية هي البحث عن تحالف مع داعش.
كما أفادت مصادر محلية وأمنية بأن الإفراج عن محمد غيلي ولد أحمد، المعروف بأغولي، أحد قادة تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، تم بتنسيق عدة شخصيات بارزة. وكان الجنرال الحاج غامو، حاكم كيدال، ونائب رئيس الأمن المالي مالك ديكو، من بين الشخصيات التي لعبت أدوارًا رئيسية في هذه العملية. تم نقل السجناء من باماكو إلى غاو بالطائرة في الأول من سبتمبر 2024.
وفي مواجهة التهديدات من جميع الجهات، اختارت الحكومة المالية تخفيف موقفها تجاه الجماعات الإرهابية، بدءًا بتخفيف الضغط على إحدى أخطر هذه الجماعات، على أمل تحويلها إلى حليف يسهم في بقاء النظام العسكري. وقد اختار المجلس العسكري المالي التحالف مع تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، حيث تم توقيع اتفاقية عدم اعتداء بين الطرفين. في المقابل، وافقت الحكومة على الإفراج عن مجموعة من سجناء التنظيم، من بينهم محمد غالي ولد محمد، المعروف بأغيوي، الذي كان قد اعتقلته القوات الفرنسية في عملية برخان وسلمته للسلطات المالية.
جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي توقع فيها الحكومة المالية اتفاقًا مع تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، الذي دائماً ما يستفيد من هذه الصفقات بالحصول على الإفراج عن قياداته دون الالتزام بأي تعهدات. هذه الخيانة تطرح تساؤلات حول من يمكن أن يُتهم بالتعاون مع الإرهابيين: الفرنسيون الذين اعتقلوهم وقاتلوهم، أم الحكومة العسكرية المالية التي تسعى للتقارب معهم؟
يتضح مرة أخرى أن القادة العسكريين في مالي ليس لديهم أي التزام بالقانون أو الأخلاق، بل يهدفون فقط إلى البقاء في السلطة حتى لو تطلب الأمر التحالف مع قوى الشر وتلويث سمعة الشعب المالي.
الإفراج الأخير عن قادة داعش ليس الحالة الأولى من نوعها في تعامل الحكومة المالية مع الجماعات الإرهابية. ففي عام 2014، أطلقت باماكو سراح أحد أبرز أعضاء تنظيم “موجاو” الإرهابي، المدعو يورو، رغم اعتقاله من قبل جهة أجنبية وتسليمه إلى مالي. وفي الفترة ما بين 29 يونيو و3 يوليو 2023، أفرجت مالي عن اثنين من قادة داعش الكبار، هما دادي ولد شعيب، القائد الأعلى للتنظيم في الساحل، ويده اليمنى أمية ولد البكاي. تم اعتقال هذين القائدين من قبل القوات الفرنسية، لكن الحكومة المالية أفرجت عنهما ضمن صفقة هدنة مع داعش.
يمتلك دادي ولد شعيب تاريخًا طويلاً من الاعتقالات والإفراجات، حيث اعتقل لأول مرة في عام 2015 عندما كان ضمن صفوف القاعدة قبل انضمامه لداعش، وفي 2019 أُطلق سراحه ضمن صفقة تبادل أسرى بين النصرة ومالي، وفي 2021 اعتقلته قوات برخان مرة أخرى قبل أن تطلق مالي سراحه في يونيو 2023 كجزء من هدنة جديدة مع داعش.