تحت تهديد السلاح: إجبار سكان شمال النيجر على دفع الزكاة لداعش وسط تراجع سيطرة الدولة
في ظل تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل الإفريقي، تحديدًا في شمال النيجر، تتصاعد المخاوف من هيمنة الجماعات الإرهابية المسلحة على مناطق واسعة من البلاد، حيث تستمر هذه الجماعات في بسط نفوذها وتوسيع رقعة سيطرتها.
إحدى أبرز هذه الجماعات هي تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (EIGS)، الذي استطاع فرض سيطرته على العديد من القرى والمناطق النائية، منها منطقة طكانامات الواقعة في إقليم تاهوا، حيث بات هذا التنظيم يفرض “قوانينه” الخاصة على السكان المحليين، ومن بينها فرض دفع الزكاة تحت تهديد السلاح.
منذ فترة ليست بالبعيدة، كانت هذه المناطق تحت سيطرة الدولة النيجرية، وإن كانت السيطرة جزئية وضعيفة في بعض الأحيان. إلا أن الهجمات المستمرة والاعتداءات المتكررة من قبل الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، أدت إلى انسحاب تدريجي لقوات الدولة وعدم قدرة السلطات المحلية على فرض سيادتها على تلك المناطق.
في يوم الاثنين، 2 سبتمبر 2024، في قرية إيناواران، كانت الصورة واضحة بشكل مؤلم. فقد ظهر أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية ليجمع الزكاة من سكان القرية. وقد تكرر هذا المشهد في قرى أخرى مجاورة، مثل تابكين-زاكي، وزا-وزا، وتاماكس.
لم يكن جمع الزكاة مجرد عملية ابتزاز، بل كان مصحوبًا بإجراءات رسمية وفق منظور التنظيم، حيث تم إصدار إيصالات تثبت دفع السكان لهذا المال، وهو ما يعكس سعي التنظيم إلى إضفاء شرعية على أفعاله وترسيخ نفوذه كسلطة حاكمة بديلة عن الدولة.
أصبحت هذه المناطق بمثابة “أراضي محررة” بالنسبة للتنظيم، حيث يفرض سيطرته دون منازع. وبينما تعيش السلطات الرسمية في حالة من العجز أو اللامبالاة، يجد السكان المحليون أنفسهم مضطرين للتعامل مع هذا الواقع الجديد. فمع غياب أي دعم من السلطات الأمنية أو القوات المسلحة، لا يجد هؤلاء الناس خيارًا آخر سوى الانصياع لأوامر الإرهابيين ودفع الزكاة لضمان بقائهم.
هذه الحالة من الاستسلام القسري ليست مجرد مسألة أمنية فحسب، بل تمثل أزمة إنسانية عميقة. السكان المحليون يعيشون في حالة من الخوف الدائم، مع انعدام الثقة في قدرة الدولة على حمايتهم أو استعادة السيطرة على أراضيهم. ومع مرور الوقت، تتعزز قبضة الجماعات الإرهابية على هذه المناطق، مما يعمق من أزمة عدم الاستقرار ويجعل الحلول أكثر تعقيدًا.
تعد قضية تكانامات مثالًا صارخًا على تآكل سلطة الدولة في مناطق واسعة من النيجر. ومع كل يوم يمر، تزداد قوة الجماعات الإرهابية وتتوغل أكثر في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لهذه المناطق، مستغلة ضعف الدولة وتجاهل المجتمع الدولي لهذه الأزمة المتفاقمة.
إن الوضع في شمال النيجر يدق ناقوس الخطر، ليس فقط بالنسبة للنيجر وحدها، بل للمنطقة بأسرها. فتمدد الجماعات الإرهابية في الساحل الإفريقي يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الإقليمي والدولي. والحاجة ماسة إلى تدخل حازم وفعال من قبل الحكومة النيجرية، بدعم من المجتمع الدولي، لاستعادة السيطرة على هذه المناطق وحماية المدنيين الذين أصبحوا رهائن في أيدي هذه الجماعات المتطرفة.