ظاهرة التسول السياسي في مالي: زيارة غويتا للصين والتبعات الأمنية والعسكرية
في العقود الأخيرة، أصبح التسول السياسي والاقتصادي سمة مميزة لسياسات الحكومة المالية، وخاصةً في ظل الحكم العسكري الحالي. من بين أبرز الأمثلة على هذا التوجه، تأتي زيارة رئيس الوزراء المالي شوغيل كوكالا ميغا إلى قطر في عام 2022، حيث طلب خلال زيارته مساعدات مالية ضخمة من الدوحة. وبينما قدمت قطر جزءًا من هذه المساعدات بناءً على العلاقات الثنائية بين الدول، إلا أن هذا الطلب يعكس مدى اعتماد الحكومة المالية على المساعدات الخارجية لتسيير شؤونها وعدم استحيائها من التسول.
هذا الاعتماد لم يكن محصورًا على قطر فحسب، بل تجسد أيضًا في الطلب الذي قدمه العقيد أسيمي غويتا، رئيس المجلس العسكري، خلال زيارته لروسيا العام الماضي. حيث طالب غويتا بتزويد مالي بالقمح الروسي، وهو مطلب لم يتحقق حتى الآن، مما يعكس الفشل المستمر في تأمين احتياجات البلاد الأساسية من الموارد الغذائية .
تاريخيًا، لم تكن ممارسة التسول جديدة على الساحة المالية. فمنذ استقلال البلاد، اعتادت الحكومات المتعاقبة على طلب المساعدات الخارجية، وهو ما يعكس ضعف القدرة المحلية على تلبية احتياجات الدولة من الموارد الأساسية.
وفي سياق متصل، شهدت الساحة المالية حدثًا هامًا في الأول من سبتمبر 2024، حيث وصل العقيد الإرهابي أسيمي غويتا إلى بكين، على رأس وفد رفيع المستوى من حكومته. الزيارة تأتي بعد أسابيع قليلة من الهزيمة العسكرية الساحقة التي تعرض لها الجيش المالي ومرتزقة فاغنر في معركة تينزاواتين، والتي وقعت في الفترة من 25 إلى 27 يوليو 2024. خلال هذه المعركة، تكبدت القوات المالية والروسية خسائر فادحة، حيث قُتل 131 من عناصرها، وتم الاستيلاء على أكثر من 70 مركبة ومدرعة عسكرية صينية.
وتجدر الإشارة إلى أن الصين كانت قد قدمت مئات المدرعات للحكومة المالية عقب قرار المجلس العسكري بإنهاء وقف إطلاق النار مع الحركات الأزوادية الموقعة على اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة، وانسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما). هذه الهدايا العسكرية الصينية تعكس مدى تزايد عزلة مالي الدولية واعتمادها المتزايد على الدعم الروسي والصيني، في ظل التوترات المتصاعدة مع الدول الغربية وانسحاب القوات الأوروبية من مالي.
ويعكس هذا التحالف بين مالي وروسيا والصين وتركيا طبيعة التوجه العسكري للحكومة المالية. حيث تعتبر هذه الدول الثلاث من أكبر مزودي الحكومة المالية بالأسلحة والمعدات العسكرية، وقد تم اتهامها بالتورط في المجازر التي ارتكبتها القوات المالية ومرتزقة فاغنر ضد السكان الأصليين في إقليم أزواد منذ أغسطس 2023. هذه العمليات العسكرية كانت تستهدف بشكل ممنهج إخلاء الإقليم من سكانه الأصليين واستجلاب سكان من الجنوب، في محاولة لتغيير التركيبة الديمغرافية للإقليم.
وتأتي زيارة غويتا للصين في هذا السياق المعقد، حيث يسعى إلى طلب المزيد من المدرعات الصينية لدعم قوات فاغنر التي تحمي الجيش المالي في مواجهة الهجمات المتزايدة. كما تهدف الزيارة إلى تعزيز القدرات العسكرية للجيش المالي في محاولاته للسيطرة على كامل إقليم أزواد، وطرد الحركات الأزوادية التي تُعتبر الممثل الشرعي للسكان الأصليين في الإقليم.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يبدو بعيد المنال، حيث أن الحركات الأزوادية تُظهر استعدادًا كبيرًا لمواجهة القوات المالية ومرتزقة فاغنر في المعارك القادمة. معركة تينزاواتين ستظل ذكرى أليمة للجيش المالي ومرتزقة فاغنر، حيث أظهرت ضعف القدرات العسكرية لهؤلاء المرتزقة، مما يعزز من موقف الحركات الأزوادية في الصراع المستمر على إقليم أزواد.
الخلاصة أن زيارة غويتا للصين، والتي تأتي بعد سلسلة من الهزائم العسكرية والإخفاقات السياسية، تعكس مدى ضعف الحكومة المالية واعتمادها الكبير على الدعم الخارجي. وفي ظل التوترات المتصاعدة مع القوى الغربية والحركات الأزوادية، يبدو أن مالي تواجه مستقبلًا مليئًا بالتحديات والصراعات، والتي قد تؤدي في النهاية إلى إعادة رسم الخريطة السياسية والعسكرية للمنطقة.