أزواد: أزمة إنسانية تتجاوز التوقعات تستدعي تدخلاً دوليًا عاجلا
في ظل تطورات متسارعة تشهدها مناطق النزاع حول العالم، أطلقت الصحفية الميدانية أليسا ديسكوتس-طويوساكي نداء استغاثة إلى المجتمع الدولي محذرة من أن “الوضع في أزواد ليس أقل خطورة مما يحدث في أوكرانيا أو غزة”.
تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه مالي، البلد الواقع في غرب أفريقيا، تصعيدًا خطيرًا للنزاع العرقي والسياسي، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، خاصة من الأقليات العرقية، إلى دول مجاورة مثل موريتانيا حيث يعيشون في ظروف قاسية للغاية.
النزوح الجماعي وتفاقم الأزمة الإنسانية
منذ أكتوبر 2023، فرَّ نحو 120 ألف شخص من الأقليات العرقية، مثل الطوارق، من شمال مالي هربًا من النزاعات المتصاعدة. يشكل النساء والأطفال نسبة 80% من هؤلاء النازحين. في ظل حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، يعيش هؤلاء النازحون في مخيمات بالقرب من الحدود، تحت ملاجئ مؤقتة مصنوعة من أقمشة مثبتة على قطع خشبية. ومع تدهور الظروف الصحية، تتفاقم الأوبئة في ظل غياب شبه تام للدعم الدولي باستثناء “أطباء بلا حدود”.
دور مجموعة “فاغنر” الروسية في تأزيم الأوضاع
تعيش الأقليات العرقية في مالي، مثل الطوارق، منذ عقود تحت وطأة الاضطهاد والتمييز من قبل الدولة، مما أدى إلى ثورات عديدة مطالبة بحقوقها. في عام 2012، أعلنت الطوارق استقلال إقليمهم، لكن سرعان ما سيطرت الجماعات الجهادية على الوضع، مما زاد من تعقيد الأزمة. مع وصول المجلس العسكري إلى السلطة في 2021 وانسحاب القوات الفرنسية، تعززت العلاقات بين مالي وروسيا، مما أدى إلى تصعيد جديد في النزاع بدعم من مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة، والتي أُعيد تشكيلها لاحقًا تحت اسم “فيلق إفريقيا”. تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”، شنّت القوات المالية بالتعاون مع “فاغنر” هجمات على المناطق الاستراتيجية للطوارق، مما أدى إلى مزيد من النزوح والتشريد.
أهداف روسيا في أفريقيا
منذ عام 2017، كانت مجموعة “فاغنر” معروفة بدورها في تقديم الدعم العسكري للحكومات الأفريقية، والتدخل في الانتخابات، واستغلال الثروات المعدنية. وبعد إعادة تشكيلها تحت اسم “فيلق إفريقيا” في 2023، أصبحت أهدافها واضحة في تعزيز نفوذ روسيا في القارة وتقويض دور الأمم المتحدة والغرب. ويعتقد خبراء، مثل أمان كوبايشي من مركز أبحاث الطاقة والاقتصاد في الشرق الأوسط، أن روسيا تسعى إلى استخدام مصالحها في أفريقيا كمصدر دخل وللحد من النفوذ الغربي.
مأساة إنسانية تتجاوز التوقعات
تصاعدت الأوضاع في أزواد إلى حد غير مسبوق من الوحشية، حيث تتعرض الأقليات العرقية لهجمات مروعة من قبل القوات الحكومية وجماعات “فيلق إفريقيا”، بالإضافة إلى تهديدات الإرهاب من الجماعات المتطرفة. تحدثت أليسا ديسكوتس-طويوساكي عن “مجازر بقسوة غير مسبوقة”، حيث شهدت حوادث تقطيع الأجساد وإلقاء الأحياء في الآبار. تعيش المجتمعات المحلية في خوف دائم من الفرار بسبب دوريات الجيش المالي والقوات الموالية له على الحدود، مما يعقد محاولات الهروب واللجوء.
الحاجة الملحة لتدخل دولي
ترى أليسا ديسكوتس-طويوساكي أن هذه الأزمة لم تحظَ بالتغطية الإعلامية الكافية بسبب عدم قدرة الصحفيين على الوصول إلى مناطق النزاع. تؤكد الصحفية أن “ما يحدث في مالي ليس أقل خطورة مما يحدث في أوكرانيا أو غزة”، داعيةً إلى ضرورة إطلاع الرأي العام على هذه المأساة الإنسانية.
يُعتبر هذا التقرير دعوةً ملحة للمجتمع الدولي للتحرك فورًا لوقف النزاع وتقديم الدعم الإنساني للمتضررين من الأزمة في مالي، خاصة مع تزايد انتهاكات حقوق الإنسان وتصاعد حدة النزاعات المسلحة. يجب أن تُوضع الأزمة المالية على رأس أولويات المجتمع الدولي، تمامًا كما يحدث مع أزمات أخرى معترف بها عالميًا مثل أوكرانيا وغزة.