رشقات صاروخية على غاو: هل الضربات موجهة بدقة أم أن المدنيين مرمى النيران؟
في مساء الاثنين، 11 أغسطس 2024، شهدت مدينة غاو في مالي سلسلة من الهجمات الصاروخية التي نفذتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي إحدى الجماعات الإرهابية الأكثر نشاطًا في منطقة الساحل.
وفقًا لمصادر محلية، تم إطلاق العديد من الصواريخ باتجاه المدينة، إلا أن الهجمات لم تصب أي أهداف استراتيجية، ما أثار تساؤلات حول الهدف الحقيقي وراء هذه العمليات. ورغم أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لم تعلن رسميًا مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن التقارير المحلية تشير إلى أن هذه الجماعة كانت وراء العملية، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى سقوط ضحايا بين المدنيين بدلاً من العسكريين.
هذا النمط من العمليات الإرهابية ليس جديدًا على المنطقة، فقد سبق للجماعة نفسها أن نفذت هجومًا على معسكر للجيش المالي في مدينة غاو في 16 مارس 2024. وعلى الرغم من أن هذا الهجوم لم يسفر عن أي خسائر في صفوف الجنود، إلا أن المهاجمين فروا من المكان بعد فشلهم، برغم ادعائهم أنهم يسعون إلى “الشهادة”..
خلفيات الصراع في منطقة الساحل
يعد الصراع في منطقة الساحل أحد أخطر التحديات الأمنية في القارة الإفريقية، حيث تصاعدت العمليات الإرهابية منذ انهيار النظام الليبي في 2011 وانتشار الفوضى في المنطقة. جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تأسست في 2017، استفادت من هذه الفوضى لتوسيع نطاق عملياتها، معتمدين على شبكات تهريب الأسلحة التي انتشرت في المنطقة. كما لعبت التحالفات القبلية والصراعات العرقية دورًا كبيرًا في تأجيج النزاع، حيث استغلت الجماعات الإرهابية هذه الانقسامات لتعزيز نفوذها وتجنيد المزيد من المقاتلين.
دور السلطات العسكرية في تسليح الجماعات الإرهابية
يُشار إلى أن السلطات العسكرية في مالي ودول أخرى في منطقة الساحل مثل النيجر وبوركينا فاسو لعبت دورًا مشبوهًا في تفاقم الصراع، حيث تورطت في تسليح بعض الجماعات المتطرفة بشكل غير مباشر. ففي ظل ضعف الأجهزة الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، وجدت الجماعات الإرهابية نفسها قادرة على الوصول إلى كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة التي كانت مخصصة لجيوش المنطقة. كما أن بعض الهجمات الإرهابية الكبيرة هي أيضا تعتبر مصدر مهما لتسليح هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة .
وبدلاً من مواجهة هذه الجماعات بحزم، تشير بعض التقارير إلى أن هناك تفاهمات غير معلنة بين الحكومات والجماعات المسلحة، مما يسمح للأخيرة بالعمل بحرية مقابل عدم استهداف المدن الكبرى أو المؤسسات الحكومية.إحدى أبرز هذه التفاهمات المزعومة، هي تلك التي تتعلق بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث تشير مصادر محلية إلى وجود اتفاق بينها وبين السلطات المالية بعدم استهداف المدن الكبرى، وذلك لتجنب استثارة غضب الشعب ضد الحكومة العسكرية. هذه المعلومات تثير تساؤلات جدية حول مدى جدية السلطات في محاربة الإرهاب، وما إذا كانت تلك التفاهمات تهدف إلى حماية النظام القائم بدلاً من حماية الشعب.
ومن بينها تفاهم السلطات المالية مع ارهابيي الدولة الإسلامية في 2023 لعدم هجوم مقرات الجيش المالي مقابل إطلاق سراحه قادة الجماعة الإرهابية المعتقلين أنذاك في بماكو و والذين تم اعتقالهم من قبل القوات الفرنسية برخان
تأثير الهجمات الإرهابية على السكان المدنيين
مع تصاعد الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل، أصبح المدنيون هم الضحية الأكبر لهذا النزاع. ففي ظل غياب الأمن وانتشار الفوضى، يجد سكان المدن والقرى أنفسهم عالقين بين عنف الجماعات المسلحة و هجمات السلطات العسكرية الحاكمة ضد فئات معينة من المجتمع ، هجمات مثل تلك التي شهدتها مدينة غاو تبرز حجم المأساة التي يعيشها السكان، حيث يتحولون إلى أهداف سهلة للجماعات الإرهابية التي تسعى لفرض سيطرتها.
من جانبها، تبدو السلطات العسكرية عاجزة عن تقديم الحماية الكافية للسكان أو حتى التصدي بفعالية لهذه الجماعات بل و تشارك بدورها في محاولة إبادة مجتمعات بأكملها في ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب في ظل هذه الظروف، تزداد المخاوف من أن تستمر معاناة السكان المدنيين لفترة طويلة، خاصة إذا استمرت السلطات في تبني سياسات تسهم في تعزيز قوة الجماعات الإرهابية بدلاً من القضاء عليها.
ختامًا ، يبقى الوضع في مدينة غاو وغيرها من مناطق الساحل معقدًا ومليئًا بالتحديات. فبين الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين والعجز الحكومي في مواجهة هذه الجماعات، يجد السكان أنفسهم في مرمى نيران صراع لا يبدو أن له نهاية قريبة.
ما لم تتخذ الحكومات الإقليمية والدولية إجراءات حاسمة لتفكيك الشبكات الإرهابية وتجفيف منابع تمويلها وتسليحها، سيظل الإرهاب في الساحل يشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن والاستقرار في المنطقة ككل.