أخبار أزواد

تواطؤ دولي: غياب الإدانة لجرائم فاغنر والقوات المالية في أزواد


بينما تتجه أنظار المجتمع الدولي إلى الشرق الأوسط، حيث يتخذ الصراع الفلسطيني منعطفًا غير مسبوق من حيث القسوة، لا تزال أزواد ضحية لشكل آخر من القسوة غير المسبوقة. تُمثل سنة 2023-2024 حقبة جديدة من العنف والفظائع في المنطقة، تفاقمت بسبب وجود الميليشيا شبه العسكرية الروسية فاغنر وأعمال القوات المسلحة المالية (فاما) المُثيرة للجدل وغير الإنسانية. تُعاني منطقة ماسينا وأزواد من فظائع وحشية تُرتكب ضد المدنيين، تاركة السكان المحليين في حالة من الرعب الدائم.

على الرغم من حجم جرائم الحرب المُرتكبة، يبقى المجتمع الدولي صامتًا بشكل ملحوظ، تاركًا الضحايا بلا صوت ولا عدالة. ومع ذلك، لعب هذا المجتمع الدولي دورًا رئيسيًا في الماضي ويستمر في لعب دور رئيسي في الصراع بين أزواد ومالي. كضامن لتنفيذ “اتفاق السلام والمصالحة لعام 2015” المُنتهي صلاحيته، انسحب المجتمع الدولي بشكل سخيف من إدارة الأزمة الأزوادية من قبل المجلس العسكري الحاكم.

صمت القوى الدولية

لا يقتصر الوضع في المنطقة على مجرد صراع داخلي. فالتداعيات الجيو-سياسية والمصالح الاستراتيجية الدولية عميقة. ومع ذلك، يبدو أن الحكومات والمنظمات الدولية، التي غالبًا ما تضع نفسها كمدافعين عن حقوق الإنسان، تتجاهل بشكل منهجي الشهادات والأدلة على الانتهاكات المنهجية ضد السكان الأصليين.

في الوقت الحالي، لا حصر لعدد الضحايا الذين قُتلوا بالرصاص، أو ذبحوا أمام عائلاتهم، أو أُحرِقوا أحياءً، ناهيك عن الطريقة المُروعة لزرع عبوات ناسفة على جثث الضحايا لزيادة عدد القتلى، علمًا أن السكان الأصليين مُلزمون دينيًا بدفن جثث الموتى.

تُتهم الميليشيات الروسية  فاغنر، التي تعمل بإفلات مُحيّر، بارتكاب المجازر والاغتصاب والاختفاء القسري. لا يتم التسامح مع أفعالهم فحسب، بل غالبًا ما تُدعم من قبل السلطات المالية، الراغبة في تعزيز سيطرتها على المناطق المضطربة.**

من جانبها، تورطت القوات المسلحة المالية في عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وأعمال التعذيب، مستهدفة بشكل خاص المجتمعات المُشتبه في دعمها للجماعات الانفصالية. للقيام بذلك، تُستخدم فاما أفراد من بعض المجتمعات المحلية المُؤيدة للمجلس العسكري لتحديد أي شخص مُنتسب، حتى عن طريق القرابة، إلى المجتمعات المُهيمنة بشكل كبير داخل الجماعات المسلحة لـ CSP-PDA. الوضع ببساطة فوضوي، والقرى والمخيمات البدوية والقرى التي كانت تقليديًا غير قابلة للتغيير أصبحت الآن خالية من سكانها الذين يفرون من الإرهاب.

صمت مُروّع

على الرغم من التقارير المُدينة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، والجمعيات الوطنية والمحلية، لا تزال ردة الفعل الدولية صامتة بشكل غريب. الأمم المتحدة، التي غالبًا ما تكون سريعة في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن أخرى، ترددت طويلاً في الإشارة إلى المسؤولين في مالي، مُؤخرةً نشر تقرير مذبحة مورا.

فرنسا، المستعمرة السابقة والفاعل الرئيسي في المنطقة، تحافظ على نهج حذر منذ مغادرتها للمنطقة، مُهتمةً بصورتها على القارة ومصالحها الأمنية والاقتصادية الخاصة.

إنّ غياب الإدانة هذا ليس فشلًا أخلاقيًا فحسب، بل هو تواطؤ مُضمر. فعندما تغضّ المجتمع الدولي الطرف عن الفظائع المُرتكبة، فهو يُرسل رسالة خطيرة مفادها أنّ بعض الجرائم يمكن التسامح معها إذا كان الجناة حلفاء استراتيجيين أو اقتصاديين أقوياء. تُهدد هذه الحقيقة المبادئ الأساسية التي تقوم عليها مؤسسات حقوق الإنسان الدولية في جميع أنحاء العالم. ونرى تطبيق سياسة “المعايير المزدوجة” على الصراع الفلسطيني، وبدرجة أقل على الصراع في أزواد.

عواقب ذلك على شعب أزواد

بالنسبة لسكان ماسينا وأزواد، فإنّ هذا الصمت الدولي يُعدّ خيانةً بعد كلّ الالتزامات التي تعهدتها المجتمع الدولي بالتوقيع على اتفاق عام 2015 الذي لم يتمّ تنفيذه أبدًا. يعيشون في خوف دائم، تُنتهك حقوقهم الأساسية، وتُدمر حياتهم. تنمو مخيمات النازحين داخليًا يومًا بعد يوم، وتزداد المجتمعات المحلية تفتتًا وتطرفًا. إنّ غياب العدالة يغذي حلقة العنف، ويخلق بيئة خصبة للجماعات المتطرفة، التي تتواجد بالفعل بكثرة في أزواد، والتي تستغلّ الفوضى للتجنيد وتعزيز قوتها بسهولة أكبر بكثير.



دعوة إلى كسر الصمت وإدانة الجرائم

و من المُلحّ أن يكسر المجتمع الدولي هذا الصمت المُتواطئ. يجب على الحكومات والمؤسسات أن تُدين بوضوح وحزم جرائم الحرب التي ارتكبتها ميليشيات فاغنر والقوات المسلحة المالية. يجب إجراء تحقيقات مستقلة، ويجب تقديم المسؤولين عن هذه الفظائع إلى العدالة. ويجب اتخاذ خطوات عادلة وحاسمة لحلّ أزمة أزواد. ونظرًا لموقعها المركزي في الجيو-سياسة الساحل، يجب أن يُدرج ملفّ “القضية الأزوادية” في تقييم إدارة المجتمع الدولي للأزمات متعددة الأبعاد كمثال صارخ على الفشل الذريع.

إنّ استقرار الساحل وحماية سكانه يمرّان عبر الاعتراف بأزواد كدولة مستقلة وإدانة جرائم الحرب التي ارتكبها المستعمرون الفرنسيون في أوائل القرن العشرين والإدارة الجديدة للسودان الفرنسي الذي أصبح مالي. لم يعد الصمت خيارًا؛ فقد حان الوقت للمجتمع الدولي أن يُظهر الشجاعة ويدافع حقًا عن حقوق الإنسان، دون استثناء أو تنازل. فالسلام والاستقرار على المستوى العالمي يتوقفان على ذلك.

إنّ تقاعس المجتمع الدولي عن جرائم الحرب في أزواد هو وصمة عار على ضميره. ضحايا ماسينا وأزواد يستحقون العدالة والدعم، لا اللامبالاة. يجب على المجتمع الدولي أن ينهض ويُدين ويتخذ إجراءات، ليُثبت أنّ مبادئ العدالة وحقوق الإنسان عالمية وليست خاضعة للمصالح الجيو-سياسية.

المصدر : وكالة أزواد للإعلام والأنباء

x

صحفي مستقل

أنا صحفي مستقل متخصص في تغطية الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية في دول الساحل وأزواد. أركز على تسليط الضوء على التحديات الأمنية، حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية في المنطقة. أسعى لتقديم تقارير موضوعية تعكس صوت المجتمعات المحلية وتساهم في زيادة الوعي الدولي حول القضايا الملحة التي تواجهها هذه المناطق. من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أعمل على توثيق التجارب الإنسانية وتعزيز الحوار حول الحلول المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

error: Content is protected !!